ثلاث خبيرات يُعدن تشكيل المطبخ السعودي

ثلاث خبيرات يُعدن تشكيل المطبخ السعودي

تعيد ثلاث خبيرات في عالم الطهو تشكيل الأطباق السعودية لتتوجّه من خلالها إلى عشاق الطعام في المنطقة والعالم
23 أكتوبر 23
The chefs redefining Saudi cuisine
Share

في العام الماضي، توقعت منظمة السياحة العالمية وصول 18 مليون سائح إلى المملكة العربية السعودية، ما يعني تصدرها قائمة الدول العربية الأكثر استقبالاً للزوار. ومع انفتاح المملكة على السياحة والتجارة، فُتحت أمام هؤلاء فرص لا تُعد ولا تُحصى للتعرف على المطبخ المحلي ولتذوق أطباقه المتنوعة. فهل يمكن السعودية المنافسة في هذا الإطار على المستوى العالمي؟ 

ربما يمكننا القول إن هذا الهدف لم يعد بعيد المنال. وفي هذا السياق، ندعوك إلى التعرف إلى ثلاث خبيرات في عالم الطهو يسعين إلى تقديم الطعام السعودي، بشكل مختلف، للذواقة في المنطقة والعالم. وهكذا تعمل هؤلاء الطاهيات المحترفات، في دبي، لندن والمملكة، على بناء تصور جديد للأطباق المحلية ولكيفية تقديمها.   

هتون مدني

أسست الشيف هتون مدني مطعم "نجابت" Najabat السعودي في دبي. وأرادت من خلال ذلك تقديم أطباق تذكّر الرواد بمسقط رأسها في المدينة المنورة، علماً أنها تسعى إلى تغيير النظرة إلى بعض الأطباق الأساسية مثل اللحم والأرز.

وتقول في هذا الصدد: "حين نتحدث عن المطبخ الخليجي والسعودي، يعني هذا بالنسبة إلى الآخرين الجلوس على الأرض وتناول الطعام بواسطة اليد، إنه أمر رائع فعلاً. لكن إذا أردنا وضع الأطباق السعودية على الخريطة، توفير تجربة جديدة لعشاق الطعام، وجذب الذواقة العالميين، علينا القيام بخطوة أساسية، وهي الحفاظ على النكهات الأصلية للأطباق مع الحرص على تقديمها باعتماد طريقة المطاعم الحائزة على نجمة ميشلان".    

وتدعو الشيف الشهيرة الجميع إلى تجربة الأطباق السعودية، مشيرة إلى أنها تحلم بانتقال اسم المملكة العربية السعودية إلى الخريطة العالمية على مستوى الطعام.

وتشرح مدني كيف استفادت من طريقة تحضير الطبق الحجازي الشهير، السليق (طبق الأرز المطهو مع مرق الحليب واللحم) الذي يقدم مع الدقوس (صلصة حارة)، لإعداد كرات أرز الأرانشيني الإيطالي المقلي.  

وتضيف: "نحصل على النكهة نفسها، إلا أن التغيير يطرأ على طريقة التقديم".

وربما ينطبق هذا على طريقة إعدادها المانتو الحجازي، إذ تضيف إلى الطبق أصباغاً طبيعية باستخدام الزعفران أو السبانخ مثلاً. وثمة مثال آخر يمكن ذكره في إطار الحديث عن سعي الشيف إلى تحديث المطبخ السعودي، فهي تحضّر مرقوق المنطقة الوسطى، لكن بدلاً من وضع قطع العجين في اليخنة، تقوم بتقطيع اللحوم والخضار لتصبح ناعمة ثم بوضعها في العجين (حشوة) على طريقة الرافيولي. وأخيراً تقدم الطبق مع المرق اللذيذ. 

@najabat.ae

رؤيا صالح

فيما تطمح هتون مدني إلى تجديد المطبخ السعودي، تسعى الشيف رؤيا صالح، مؤسسة مطعم Villa Mamas –  الذي فتح أبوابه أمام الرواد في البحرين أولاً، إلى استخدام المنتجات المحلية لابتكار أطباق سعودية فريدة.

وتشير الشيف بحرينية المولد إلى أن التشابه على مستوى أطباق المطبخ الخليجي لا يخفي تنوعها، وتضيف: "تأثر مطبخ البحرين، قطر، والكويت ذات المساحات الصغيرة بالتجارة مع الهند، إيران والعراق. ولأن المملكة العربية السعودية واسعة المساحة وتتشارك الحدود مع اليمن، الأردن والعراق، كان لا بدّ من أن تتأثر بفنون الطهو السائدة في هذا المحيط. ولا ننسى أيضاً تأثير القبائل البدوية التي كانت تعتمد، على المستوى الغذائي، على ما تنتجه الصحراء. لذا، لا عجب في أن يكون المطبخ السعودي متنوعاً للغاية".

وهكذا تضم المائدة السعودية، في جنوب غرب أبها، مثلاً الحنيذ اليمني (طبق الأرز واللحم المطهو ببطء)، في حين تُشتهر المنطقة الوسطى بالأصناف التي يتم تحضيرها باستخدام القمح، الألبان والأجبان واللحوم.

وتشرح صالح، التي تركز على تحضير الأطباق المحلية، كيف يقدم مطعم Villa Mamas في البحرين، الجريش، مع ثمار البحر، فيما يعد الطبق نفسه مع لحم الماعز في فرع الرياض. ونشير إلى أن أسلوب الطهو الذي تعتمده الشيف يرتبط إلى حد كبير بالأصناف التي يتم إنتاجها في المملكة. ونذكر كمثال الزعتر والزيتون اللذين يؤتى بهما من الجوف والخضار التي تتم زراعتها في القصيم، وهي أنواع تشكل عنصراً أساسياً في مطبخها. لذا، تصف  الشيف رؤيا المطبخ السعودي بقولها إنه "مطبخ غني جداً"، لافتة إلى أنه لم يتم اكتشاف كل أسراره بعد.

ويشار إلى أنها تعمل بالتعاون مع عدد من الطهاة السعوديين على ابتكار أطباق محلية يمكن تقديمها على طريقة الكانابيه.

@villamammasriyadh

نوال الخلاوي

على غرار الشيف رؤيا صالح، تدافع نوال الخلاوي، مؤسسة مفهوم مطعم أسفار Asfar Experience، عن فكرة استخدام المنتجات المحلية في المطبخ. وفي العام الماضي، أدارت الشيف، لمدة ثلاثة أشهر، مطعماً مؤقتاً في العلا، حيث ركزت على استخدام مكونات تم إنتاجها محلياً لصنع أطباق تقليدية خاصة، علماً أنها لم تتعرف على بعض هذه الأطباق سابقاً (رغم نشأتها في منطقة الحجاز).

وإذا أردنا ذكر بعض الأمثلة على ذلك، نشير إلى أنها تستخدم اليقطين الذي تنتجه العلا لصنع يخنة اليقطين واللحم التي يمكن تناولها مع الخبز المحلي.

 وعلى هذا تعلق الخلاوي بالقول: "يتعلق الأمر بالقائمة. فأنا أتحدث إلى أبناء المجتمع المحلي، وأشجعهم على المشاركة في هذه التجربة، كما أعدّ قائمتي بحسب الأصناف التي تتوفر في المنطقة. في الواقع، أتَّبع نهجاً في الطهو يعتمد بجزء كبير منه على المجتمع المحيط".

 وبالعودة إلى المطعم المؤقت، توضح الشيف أنه تمت إقامته على سطح فندق بوتيكي في البلدة القديمة، مشيرة إلى أن إطلالة المكان والمشاعر المرتبطة به ساهمت في نجاحه. وتتابع: "من خلال هذا المطعم، تمكنت من تسليط الضوء على الأجزاء المميزة من ثقافتنا، مع حرصي على تقديم أطباق عالمية تحترم مبدأ الاستدامة. أعتقد أن الضيوف تمكنوا من عيش تجربة تختلف عن تجارب الطعام الأخرى ومن الاستمتاع بها". 

ومؤخراً، خاضت الخلاوي تجربة في إطار قمة شباب مجموعة الـ20 التي عقدت في لندن، حيث قدمت 13 طبقاً مستوحاة من مطابخ مناطق سعودية مختلفة. وشملت القائمة زيت الزيتون والزعتر من الجوف ونجران، شراب السوبيا بالمانغا والزنجبيل من مكة المكرمة ومنطقة جازان، مجبوس الروبيان، الأرز الأحمر مع الجمبري والليمون الأسود من المنطقة الشرقية، وأيس كريم الورد وفُتات التمر من عسير.   

وإلى جانب احترافها الطهو، تدير الخلاوي شركة استشارية تقدم منتجات غذائية مستدامة من المملكة، ما يشمل مثلاً العسل وحليب الإبل.

وهي تحرص على تحويل المطبخ السعودي إلى عنصر جذب يدعو الضيوف إلى زيارة المملكة واختبار مذاقاته المختلفة، بدلاً من فعل هذا في الخارج. ويأتي هذا فيما تحتل خدمات المطاعم وتجارب الطهو مكانة مهمة جداً في إطار الانفتاح والتحوّل الكبيرين اللذين تشهدهما صناعة السياحة في المملكة.       

وهو ما تشير إليه الشيف بقولها: "أرى أن الناس يشعرون بالفضول ويريدون التعرف على الطعام السعودي، ويسألون عما إذا كان يشبه الطعام اللبناني أو التركي. لذا، يأتون ليختبروا تجربة تُعتبر جديدة تماماً بالنسبة إليهم. كل ما أريده هو جمع الناس حول المائدة، وأنا أفخر بمشاركتي في نشر الثقافة والتراث السعوديين".

@asfar.experience