أحلى الحلويات مع الشيف غسّان سُكّر

أحلى الحلويات مع الشيف غسّان سُكّر

هل تبحث عن سيرة نجاح في عالم صناعة الحلويات والمخبوزات والشوكولاتة؟ إذاً انضم إلى هذا اللقاء الذي جمعنا والشيف غسّان سُكّر صاحب الرؤية الديناميكية والاستراتيجية الواضحة في مجال عمله
05 مارس 24
Share

يتطلب تعلم فنون الطهو القيام برحلة طويلة وشاقة، لكن هذه الرحلة تصبح مفرحة، ممتعة، ومثيرة للاهتمام إذا تم توظيف المهارات في المكان والزمان المناسبين. لذا من المهم التتلمذ على يد شيف ماهر وكفوء يدرك أهمية التقنية ورمزيّة الأطباق ومدى ارتباطها بهوية المجتمع وذاكرته. يذكّرنا كل هذا بالشيف غسّان سُكّر الذي يخوض تجربة طهو مثمرة وشيّقة منذ العام 2012. فحين التقيناه أشار إلى أن اكتساب الخبرة في هذا المجال من دون الاهتمام بذلك الارتباط بالهوية والمحيط، يُفقد العمل رونقه ودلالاته. وإذ كشف أحد أسرار نجاحه قال: "أستوحي نكهاتي الخاصة ممن هم حولي ومن كل ما يشغل مكانة خاصة في قلبي".

البدايات

ظهر اهتمام غسان بالطهو منذ صغره إذ كان يقوم بتحضير الأطباق البسيطة لعائلته. فقد كانت والدته تعهد إليه وإخوته إنجاز بعض المهمات المنزلية مثل ترتيب المنزل وغسل الملابس. وكان يشعر بالفرح عندما يُطلب إليه التوجّه إلى المطبخ لتحضير بعض الوجبات. وعن ذلك يقول: "كنت أفرح كثيراً عندما يحين دوري لإنجاز مهمة الطهو، وكنت أستغل ذلك لأعدّ بعض أنواع الحلويات". وأثناء الإجازة الصيفية كان سكّر يتوجه إلى مكتبة جدّه لتقديم المساعدة. ورغم صغر سنّه حينذاك، كان يفضل الحصول على كتب الطبخ بدلاً من المال مقابل جهوده: "عند عودتي من المكتبة كنت أبدأ مباشرة بتحضير الوصفات معتمداً على تلك الكتب. وكنت أحقق النجاح أحياناً وأفشل أحياناً أخرى، كان ذلك أمراً طبيعياً لأنني لم أتخطَ سنّ الثامنة أو التاسعة آنذاك".

يرتبط مفهوم صناعة الحلويات بالنسبة إلى الشيف بالمناسبات السعيدة مثل الأفراح، أعياد الميلاد وغيرها. لذا يبدي رغبته في أن يشارك الناس فرحهم من خلال إعداد الحلويات. ولا شك في أن هذا هو ما دفعه إلى الانتقال إلى المرحلة اللاحقة، أي مرحلة التخصص في فانكوفر، كندا.

"أدرك تماماً أن الارتباط بين الطعم والمكان يساهم إلى حد كبير في صنع الذائقة المميزة"

خلال تلك المرحلة، توجّه إلى المدينة الكندية لدراسة الهندسة الطبية. وبعد ثلاث سنوات، حدث ما هو غير متوقع، فقد قرر الالتحاق بمدرسة الطهو. ولدى سؤاله عن السبب أجاب: "كانت مدرسة الطهو تقع قبالة منزلي، وكنت أحرص على مراقبة ما يفعله الطلاب. وقد أثارت اهتمامي الطرق التي كانوا يتبعونها لإعداد الطعام وتقديمه وتمنيت أن أتمكن من فعل ذلك بنفسي. وبالفعل أجريت بحثي في هذا السياق واطلعت على برنامج المدرسة وعلى كيفية الانضمام إلى الصفوف. وفي العام 2007، التحقت بها، وأعتبر هذا أفضل قرار اتخذته يوماً.حينها بدأ مشواري كشيف حلويات وطمحت إلى أن أحظى بمكانة مميزة في هذا المجال".

تظهر هوية غسان، الشيف والمدرب، واضحة من خلال المكونات التي يختارها ويقوم بمزجها، فهو ينتمي إلى بيئة متنوعة: جدته (أم والده) من المغرب، جدته (أم والدته) من الهند، جدّه (أب والدته) من سوريا. وعن مدى تأثير ذلك على عمله يقول: "أبدى أساتذتي، في كندا، اهتماماً لافتاً بمزيج البيئات التي أتحدر منها، فقد رأوا في ذلك ميزة وقوة. وبالفعل، ظهر هذا المزيج من خلال ابتكاراتي في عالم الباتيسري والحلويات".

ويتابع: "تخرجت من Pacific Institute of Culinary Arts في مدينة فانكوفر بمرتبة الشرف في العام 2012، وتابعت التخصص في مجال تزيين الكيك في كلية بوني غوردون في تورونتو، وحصلت على دبلوم من Maison Christan Faure".

الطعم والمكان

تشكل خصائص المكان عنصراً أساسياً من عناصر النكهات وذاكرة حسيّة للطعم. وفي هذا السياق يرى الشيف أن عاملي الزمان والمكان يؤثران إلى حد كبير على أذهان المتذوقين: "ذات مرة تذوّقت فيThomas Haas Patisserie كرواسون اللوز المخبوز رائع المذاق. شعرت حينها بسحر المكان، ولم أعرف سبب هذا الشعور. ربما يعود إلى أنني عملت في المحل في وقت سابق، أو إلى النكهة التي يتميز بها الكرواسون. إلا أنني أدرك تماماً أن الارتباط بين الطعم والمكان يساهم إلى حد كبير في صنع الذائقة المميزة".

فن الـMille Feuille

أثناء إقامته وعمله في فرنسا اكتسب الشيف غسّان سكّر خبرة الفرنسيين ودقتهم في صنع الحلوبات وأنواع الكيك. فقد أتقن كثيراً من مهارات الطهو من خلال تجربة خاضها لدى فيراندي في باريس، وهو ما يشير إليه بالقول: "تعلمت كيفية إعداد حلوى Mille Feuille بحشوات مالحة مثل الفطر وجبنة فيتا. كما جرّبتها بنكهة الطماطم المجففة، وقدّمتها أحياناً بنكهة البستاشيو والورد، وهي المفضلة لدي! إذ أضيف نكهة البستاشيو إلى مذاق الكاسترد والورد الرائع لأحصل على رقائق هلامية تتوسط طبقات العجينة الذهبية".

تقنية خاصة

يحرص الشيف غسان، الذي شارك في لجنة تحكيم TOP CHEF في العام 2017، على انتقاء أفضل أنواع الخفّاقات اليدوية. فهو يرى أن إمكانات أي شيف حلويات أو خبّاز تظهر من خلال طريقة خلطه للمكونات: "صممت شعار علامتي التجارية Ghassan Sugar على شكل خفاق يدوي. فهو أداة أساسية أعتمد عليها في عملية إعداد الحلويات التي أقدّمها".

أنشأ الشيف غسّان، مصنعه الخاص في المملكة، ويقوم من خلاله بإنتاج الشوكولاتة، وأنواع الكيك والمخبوزات التي يعدها بحبّ وشغف. وهو يستخدم مكونات يأتي بها من مختلف المدن السعودية لصنع الشوكولاتة الغربية بنكهات مختلفة. وهكذا تروي كل نكهة قصة مدينة ما. وفي هذا السياق يقول: "أستلهم نكهاتي الخاصة من الأشخاص المقربين مني، فنكهة الزنجبيل هي المفضلة لدى والدي، أما الورد فيمثّل والدتي. وأنا أرى أن الطهو فنّ إبداعي ينطلق من قصة شخصية، وأسعى إلى أن يشعر متذوقو حلوياتي بتلك السعادة التي تغمرني أثناء قيامي بإعدادها".

ويتايع: "يدفعني حرصي على تقديم المنتجات والحلويات الممتازة للزبائن إلى اختيار المكوّنات الخام ذات الجودة العالية، كالشوكولاتة الداكنة. لذا أرفض استخدام السكّر المصنّع وأستبدله بسكّر القصب الطبيعي. كذلك لا مكان للدهون النباتية في منتجاتي".

يتميّز مصنع الشيف غسّان بنكهات خاصة، مثل نكهة الورد الطائفي، وعنها يقول: "اعتدنا، في الحجاز، إضافة ورد الطائف إلى كل ما نأكله أو نشربه مثل الماء، المهلبية بالورد، الشاي وغيرها. وهو يتميز بنكهته الفريدة التي تتوفر في المملكة فقط، وأنا أعشق طعمه الذي يبقى في الفمّ لمدة طويلة، علماً أنه يقدم العديد من الفوائد الصحية".

ويتحدث الشيف أيضاً عن نبتة حبق المدينة المنورة التي يضيفها إلى قطع الشوكولاتة أحياناً. ويشير إلى أن هذه النبتة تتميز بنكهتها العطرية الحلوة، وأنها تشكّل مع الشوكولاتة "مزيجاً ناعماً ولاذعاً عند التذوق".

في السياق نفسه، تشغل مانغا منطقة جازان مكانة استثنائية في وصفات حلويات غسان على اختلافها: "أضيف نكهة مانغا جازان إلى أطباق الحلويات والكيك، وأمزج طعمها المدهش مع نكهات التوت أو الباشين فروت. ويترك هذا المزيج الصيفي أثراً جميلاً في ذاكرة المتذوقين، إذ لا تتوفر هذه النكهات المحلية الفريدة في الأطباق العالمية".  

"اعتدنا، في الحجاز، إضافة ورد الطائف إلى كل ما نأكله أو نشربه وهو يتميز بنكهته الفريدة التي تتوفر في المملكة فقط "

وإلى جانب مشاركته في لجنة تحكيم توب شيف، يقوم الشيف بتقديم استشارات للمطاعم وبتدريب وتعليم الطلاّب فنون الطهو. وهو يكرر القول إن "زكاة العلم نشره"، مشدداً على أهمية نقل المعلومات إلى الآخرين، ويضيف: "لا أجد الوقت الكافي لإعداد كل وصفاتي، لذا أعلمها للطلاب أو لأصدقائي كي ينقلوها إلى العالم بطريقة مميزة. وأنا أبدي اقتناعي بأن صناعة الحلويات رسالة جميلة وأنه يجب تبادل طرق إعدادها".

يحلم الشيف غسّان سكّر بإنشاء مزرعته الخاصة حيث يستيقظ كلّ صباح ليحصد الثمار قبل أن يدخل إلى مطبخه ويعدّ أشهى وصفات الحلويات. كما يرغب في أن ينقل تجربته إلى العالم كي لا تتوقف لذة الطعم وفرادة النكهة عند أي حد، على حد تعبيره.

اقرأ أيضاً: الشيف نهال فلمبان: بين الذوق الآسيوي واللمسة المحلية

إنستغرام: ghassansugar@