الشيف رنا البرهومي: إبداع في عالم الخبز الألماني

الشيف رنا البرهومي: إبداع في عالم الخبز الألماني

تابعت الشيف رنا البرهومي دراستها في مجال الخدمات اللوجستية، إلا أنها قررت أن تصبح خبيرة في عالم الخبز الألماني
07 مارس 24
Rana Al Barhoumi, Der Backer: Jeddah
Share

لا يمكنك السير في شوارع جدة المزدحمة من دون أن تتوقف لبعض الوقت في ذلك المخبز غير التقليدي حيث تصحبك كل قضمة في رحلة عبر القارات. إنه مخبز دير بيكر Der Bäcker الذي سيجذبك حتماً برائحة مخبوزاته الطازجة. وهو مشروع نفذته رائدة الأعمال السعودية رنا البرهومي التي انتقلت من العمل في مجال الخدمات اللوجستية إلى عالم الخبز الألماني.  

وعن بداياتها تقول الرئيسة التنفيذية لدير بيكر: "تابعت دراستي في مجال الخدمات اللوجستية في إحدى الجامعات الألمانية وبعد حصولي على الشهادة، توجهت إلى أحد أقدم معاهد إعداد الخبازين في البلاد، وهناك تعلمت كيفية إعداد المخبوزات على الطريقة الألمانية. ولاحقاً عدت إلى جدة وافتتحت مخبزي، وقد قمت بهذه الخطوة لأنني من عشاق الطهو".

يمكن وصف رحلة رنا من الدراسة إلى ريادة الأعمال بالرائعة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنها واجهت بعض الصعوبات. وهي تذكر في هذا السياق عملها كطاهية مساعدة في أحد المخابز في الأردن. وهناك كانت المهمة شاقة إذ كان عليها أن تقوم بخبز 100 كيلوغرام من الدقيق خلال ثماني ساعات يومياً. إلا أن هذا مكنها من تطوير قدراتها ومهاراتها على مستوى إدارة الوقت، والعمليات، والاستفادة من كل لحظة من أجل تحسين إنتاجيتها. وقد التقيناها لنعرف المزيد عن رحلة نجاحها.

الخطوات الأولى

بدأت رحلة رنا في مجال الخَبز حين كانت في السادسة من عمرها، إذ انطلق شغفها بهذا العالم من مطبخ والدتها. فقد تمكنت في تلك المرحلة من تعلم الكثير، ومن استكشاف كيمياء النكهات والمكونات. لكن لم يخيّل إليها يوماً أنها ستصبح خبيرة في صناعة الخبز والمعجنات.  

وإذ تتحدث عن تأثير عائلتها في هذا السياق، تشير إلى وصفة ما زالت تحتل مكانة مهمة في قلبها: كيك الجدة، وتضيف: "اعتادت جدتي تحضير هذه الكعكة، وما زالت والدتي تصنعها، وأنا أقوم بذلك أيضاً. وهي كعكة فانيليا، تحتوي على البيض، الزيت، الدقيق، حبوب الفانيليا وبالطبع نكهة البرتقال".

نكهة وتقليد

لا شكّ في أن العلاقة الوثيقة بين شغف رنا بصناعة المخبوزات الألمانية وارتباطها بتقاليد الطهو والخَبز السعودية، ساعدتها على تحقيق نجاحها. فقد نشأت في المملكة وتعرفت إلى مطبخها منذ الطفولة ثم تعلمت تقنيات إعداد العجين المخمر المعتمدة في ألمانيا. لذا، لا عجب في أن نتحدث عن براعتها اليوم.

وهي تستعيد بعض النصائح المهمة التي قدمت لها أثناء متابعتها دورة الخَبز، فتقول: "تُعتبر تقنية تحضير العجين المخمر مهمة جداً بالنسبة إلي. ففي ألمانيا يتم صنع هذا العجين بطريقة مختلفة، حيث يصبح مذاقه حامضاً فعلاً. في الواقع، يحب الناس هناك الطعم الحامض والوصفات الغنية بالبكتيريا المفيدة".  

ولا تتردد خبيرة الخَبز في إبداء إعجابها بطريقة تحضير العجين غير التقليدية، وتشرح أنه يُترك لبعض الوقت حتى يختمر بشكل تام، وأنه يتسم بنكهة مميزة. وتلفت إلى أنها تضيف لمساتها الخاصة إلى الوصفات التي تعلمت إعدادها. وهو ما يظهر من خلال قائمة مخبزها التي تتضمن أشهى أنواع المخبوزات، من كعك البريتزل الألماني إلى خبز البريوش الفرنسي الطازج، فمناقيش الزعتر الصحية والصديقة لنظام كيتو الغذائي.

كما تكشف بعض أسرار خبرتها وتوضح: "في البدء قمت بتجربة الوصفات، وبالطبع حرصت على عدم تكرار ما تعلمته في ألمانيا، إذ استخدمت تلك التقنيات لابتكار وصفاتي الخاصة"، وتتابع: "أستمد أفكاري من كل مكان أذهب إليه، من رحلاتي وتجاربي، ثم أضيف إليها لمساتي الخاصة. وأذكر زيارتي الأخيرة إلى اليابان حيث شعرت بالدهشة لدى رؤيتي كيفية قيام اليابانيين بتغليف الحلويات والمخبوزات. فلمَ لا أقوم بدمج الثقافات الألمانية، الفرنسية واليابانية؟ أليس أمراً رائعاً؟".

مزيج رائع

ورغم حرصها الدائم على تجربة وصفات جديدة، تؤكد الشيف الطموحة أن مخبوزاتها تلتزم بهويتها السعودية: "في بعض المناسبات، كما في أيام شهر رمضان المبارك، نقدم أصنافاً تجمع ثقافتي الخًبز السعودية والألمانية. وهكذا نحافظ على لمستنا الخاصة. فنحن لا نعدّ منتجات سعودية 100%، لكننا لا ننسى النكهة المحلية أبداً، إذ نحرص على إبراز هويتنا. لذا، نحضر الكرواسان بالتمر، نضيف نكهة الهيل اللذيذة إلى الخبز، كما نوفر خيار العجين المثلج الذي يمكن استخدامه بسهولة لصنع الخبز في المنزل خلال شهر الصوم".

في الواقع، تضم قائمة المخبز مجموعة من الخيارات الفريدة، إلا أن رنا تلتزم بالتعلم المستمر مع بإظهار خبرتها. وهي تعبر في هذا الإطار عن انبهارها بكيمياء الخَبز، أي بالتفاعل بين مواد العجين، وتشير إلى حرصها على نقل ما تعرفه إلى كل من يرغب في بدء رحلته في هذا المجال.  

خيارات لذيذة

تجد داخل جدران هذا المخبز كثيراً من الأصناف. أما أبرزها فهو الكرواسان الذي يحتوي على الزبدة والحليب، إذ تخلت الخبيرة أثناء تحضير العجين عن البيض. ورداً على سؤالنا عن أفضل خياراتها تذكر أنواعاً من خبز البرغر والتيراميسو. في الحقيقة، لم نتوقع الحصول على إجابة على هذا السؤال لأن  إبهار شيف ماهرة ليس أمراً سهلاً على الإطلاق.

وصفة النجاح

تأثرت رنا خلال مسيرتها المهنية، في ألمانيا كما في السعودية، بعدد من الظروف والعوامل. وهو ما يظهر من خلال وصفاتها التي تجمع ثقافات الطهو المختلفة، عناصر المطبخ السعودي واللمسة الخاصة. يمكن القول إنها تشكل مزيجاً من التقليد والابتكار.

وبالطبع يتطلب كل هذا النجاح التفاني. لكن الشيف تدرك تماماً أن عليها الحفاظ على التوازن. فرغم أنها قد تعمل لمدة تتراوح بين 16 و18 ساعة في اليوم الواحد، إلا أنها تخصص بعض الوقت للتأمل وممارسة تمارين اليوغا.

وهي تتوجه إلى الطهاة الشباب والطموحين بالقول: "عليكم أن تكونوا خبراء في مجال عملكم. فبعض الأشخاص يأتون إلى عالمنا من دون امتلاك الخبرة اللازمة. لقد عملت كطاهية مساعدة في أحد المخابز، وساعدني هذا على تطوير قدراتي. فالتطبيق العملي أمر مهم جداً".

وفي ختام اللقاء، تعلن الشيف الشابة أن التزامها بالتنوع والجودة سيشكل، حالياً ومستقبلاً، هويتها الخاصة في عالم الخَبز، سواء أرادت تحضير كعك البريتزل الألماني المحشو بالسبانخ وحبوب البازيلاء، أو خبز الباغيت الفرنسي، أو الأرغفة التي تُصنع من العجين المخمر، أو خبز الكيتو أو غيرها. وتؤكد أنها لن تتوقف عن المثابرة من أجل المضي قدماً إلى آفاق مختلفة: "في السنوات الخمس المقبلة، أخطط للتوسع أكثر ولتعلم تقنيات وكيمياء الخبز. كما أتطلع إلى تطوير خبرتي في مجال الأطعمة والمشروبات، وإلى تحقيق المزيد من النجاح في المملكة وخارجها".      

derbacker.sa@