الشيف هشام باعشن: رحلة البحث عن الأصالة

الشيف هشام باعشن: رحلة البحث عن الأصالة

بدأ رحلته كصانع محتوى في مجال المطاعم قبل أن يصبح شيف ذا رؤية ثاقبة. إنه هشام باعشن الذي رافقنا في رحلة عبر النكهات التقليدية وتحدث إلينا عن مطعمه "في قلبك"
17 أبريل 24
Share

حين يؤتى على ذكر الشيف والمدوّن الغذائي هشام باعشن، يتذكر الجميع عبارته الشهيرة "في قلبك". فمن منا لا يعرف هذا الخبير في عالم الطهو الذي أصبح أحد أكثر طهاة المملكة شهرة وممثلاً لهيئة فنون الطهي، والذي أسس مطعم "في قلبك"؟ في الواقع، تمكن الشيف من تحقيق النجاح خلال مسيرته بفضل شغف بالطهو عبّر عنه حين كان في التاسعة من عمره. لذا، كان لا بد من أن  تشكل تجربته التي تجمع التقليد والتجديد جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الطهو في البلاد. ولأن شغفه هذا لا يعرف الحدود، فقد أصبح في العام 2020 سفيراً لتيك توك، كما جذب انتباه ما يقرب من 4.5 ملايين متابع من خلال حسابه على إنستغرام. لكل هذا وأكثر التقينا الشيف الشهير وسألناه عن مسيرته، عن أساليب الطهو الخاصة به، وعن الخطوات التي يقوم بها من أجل تقديم الدعم للطهاة الناشئين.

البداية

اكتشف هشام باعشن حبه للطهو في سن مبكرة جداً، إلا أن تعلقه بهذا الفن بلغ مرحلة مفصلية في العام 2014. حينها شاهد فيلم "شيف" (إخراج وتأليف وبطولة جون فافرو) الذي يروي قصة كارل كاسبر، وهو شيف يحلم بامتلاك مطعم فاخر ثم لا يتردد في ترك عمله بعد تعرضه للانتقاد من أحد المدونين. في الواقع، أبدى باعشن إعجابه بالشخصيتين معاً: الشيف بسبب شغفه بعمله ورفضه التنازل عن نزاهته الإبداعية، والمدون بسبب صدقه. وهذا ما يعبر عنه بقوله (ضاحكاً): "قررت أن أصبح مدوناً وصانع محتوى في مجال الطعام بعدما شاهدت الفيلم".    

وبالفعل بدأ مغامرته في عالم التدوين الغذائي، واستطاع تحقيق الشهرة خلال مدة قصيرة، كما ظهر في برامج مرموقة مثل توب شيف. ورغم أنه حرص على صقل مهارته في مجال الطهو، إلا أنه لم يدرك أن المطبخ هو عالمه إلا في العام 2018.

واستطاع الشيف، بفضل تفانيه، من تحقيق التطور المهني السريع. وفي العام 2013، افتتح مطعم ومقهى "في قلبك". وهكذا بدأ تحقيق حلمه، أي تشارك إبداعاته مع العالم، وقام بأولى خطواته على طريق إعادة تعريف المطبخ السعودي.

وعن هذه التجربة يقول: "خلال السنوات الـ12 الماضية، لم أطلق على نفسي صفة شيف إلى أن افتتحت مطعمي الخاص... لطالما نشرت فيديوهاتي عبر الإنترنت، لذا تساءلت: لمَ لا أفعل ذلك خارج الشبكة العنكبوتية؟ وهكذا قررت التركيز على ابتكار وصفات خاصة".

أصالة النكهات  

ترتبط إبداعات باعشن في عالم الطهو بتراث المطبخ السعودي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ولد ونشأ في الخبر. وهو لا ينسى كيف كانت والدته تعد المجبوس الشرقاوي، أحد الأطباق التي كان يحب تناولها في زمن طفولته، والطبق الرئيسي في مطعمه راهناً. وإذ يشير إلى أنه يحب أيضاً تناول الأرز البدوي المطهو مع مرق اللحم اللذيذ، يقول: "ينتمي هذا الطبق إلى تقليد السحور العائلي الذي نعده قبل حلول اليوم الأول من شهر رمضان".

ولا ينسى الشيف الذي يعتبر أحد الطهاة الأكثر تأثيراً في العالم، أن لكل من مناطق السعودية الخمس مائدتها الخاصة. لذا، يحرص على جعل وصفاته أشبه بسمفونية تنسجم فيها النوتات والأنغام المختلفة. وحين يعتزم تحضير طبق جديد، يسعى إلى اعتماد تقنية جديدة، طريقة مختلفة، وإلى ابتكار نكهة فريدة، ويقوم لاحقاً بتقديم الطبق بشكله ومضمونه النهائيين، معبراً من خلاله عن جوهر المطبخ السعودي ومتحدياً المفاهيم السائدة والأحكام المسبقة بشأن واقع الطهو في المملكة.

وتعليقاً على هذا يقول: "يختار الشيف البارع مكوناته من مكان ما ثم يستخدمها لابتكار نكهات جديدة". ويشير إلى أن الهيل هو أحد تلك المكونات التي يمكن أن تضفي لمسة مميزة على الأطباق المختلفة.

تجربة "في قلبك"

يتحدث هشام باعشن عن التجربة المميزة التي يختبرها في مطعمه، فيقول: "ما أريده هو أن يلاحظ ضيوف "في قلبك" تنوع المطبخ السعودي وعراقة تقاليده، فضلاً عن إمكاناته الكبيرة. وهو ما يخالف الاعتقاد السائد بأن إبداعات هذا المطبخ تقتصر على الكبسة".

ويشار إلى أن مطعم "في قلبك" يتميز بتصميم داخلي تقليدي يتضمن عناصر مثل نسيج السدو، ما يعني أنه يقدم للضيوف وليمة بصرية وحسية فور دخولهم إليه. أما القائمة فتتضمن مجموعة مختارة من أنواع الحساء، المقبلات، والأطباق الرئيسية مثل الجريش، المشاوي السعودية، ثمار البحر، الصلصات. وتضاف إلى ذلك وصفات أخرى غير عادية، منها حساء الجريش المدخن وشرمب كوجا الذي يحتوي على الخضار وثمار البحر والذي يعود بأصوله إلى منطقة المدينة المنورة.

ويحرص الشيف على إظهار الكرم السعودي من خلال مطبخه، وعن هذا يقول: "يشتهر السعوديون بكرمهم، لذا أرفض تقديم المطبخ المحلي بطريقة لا تظهر ذلك الكرم. فما نريده هنا هو أن يستمتع الضيوف بمذاق الطعام وبشكله".

لكن يبدو أن رؤيته تمتد إلى ما هو أبعد من مطعمه، إذ يخطط للتوسع في مدن أخرى في السعودية وخارجها. وهو يعتزم لهذه الغاية افتتاح فروع عدة في الرياض، المدينة المنورة، مكة المكرمة، جازان وبالطبع، في مسقط رأسه، الخبر: "أريد تشجيع الناس في مختلف المدن على استكشاف النكهات التي ترتبط بالمناطق السعودية كافة".

دعم المواهب المحلية

إلى جانب اهتمامه بفن الطهو، يطمح الشيف الذي وقّع (بالتعاون مع الشيف راكان العريفي) قائمة اليوم الوطني السعودي الـ90، إلى رعاية جيل من الناشئين في مجال الطهور في بلده. وهكذا يسعى، من خلال مبادرات عدة، إلى مساعدة  الطهاة الطموحين على تحقيق التطور في فن الطهو مع الحفاظ على هوية المطبخ السعودي.

ويَذكر في هذا السياق قيام مستشار المطاعم الشيف فيصل الدليجان مؤخراً بتوظيف عدد من الطهاة السعوديين الشباب. كما يشير إلى توقيعه مذكرة تفاهم مع أكاديمية زادك لفن الطهي من أجل تدريب الطلاب ثم تأمين فرص عمل لهم في "في قلبك".

ولدى سؤاله عن أحلامه يجيب الشيف: "لطالما حلمت بتأسيس أكاديمية للطهو متخصصة في مجال المطبخ السعودي. فأنا أريد بناء ملاذ يجمع الطهاة الذين يريدون استكشاف أنواع الطعام الكثيرة عندنا. بالفعل يشكل هذا فرصة مناسبة لتعزيز ارتباط هؤلاء بالمطبخ المحلي. فلكي تصبح شيف سعودياً حقيقياً، عليك أن تتعلم تقنيات خاصة تمكنك من تحضير الأطباق المحلية بمهارة عالية، قبل أن تنتقل إلى المطبخ العالمي".

 أما النصيحة التي يقدمها الشيف هشام باعشن لكل من يخطط لافتتاح مطعمه الخاص، فهي: "احظَ بشريك يعرف جيداً كيفية إدارة الأعمال التجارية أو ثقف نفسك في هذا المجال".

إنستغرام مطعم "في قلبك": figlbak@

إنستغرام الشيف هشام باعشن: misho_baeshen@