مغامرات على متن دراجة في قلب السعودية

مغامرات على متن دراجة في قلب السعودية

يوميات رحّالة ترويها ماكسيم
16 أبريل 23
Share

تجلس ماكسيم (ماكسي) خارج خيمتها، تسابق شروق الشمس، ترسل نظراتها إلى وادٍ صخري وطريق ممتد عبر الكثبان الرملية. فقد وصلت إلى هذا المكان على متن دراجتها الهوائية التي قادتها منطلقة من العلا في الأيام الثلاثة الماضية، وبعد تناولها فطوراً يحتوي على سلطة الفواكه، اللبن والتمر، ستحزم حقائبها مجدداً وتتوجه إلى وادي الديسة، وهناك ستقوم على مدى يومين باستكشاف مزارع المنطقة وقراها. لكنّ هذا المخطط قد يتغير تبعاً لمن قد تلتقيهم من أشخاص وما قد تشاهده خلال رحلتها.

"السير بحسب ظروف الرحلة"، إنها القاعدة التي طبقتها ماكسي منذ بدء رحلتها في 26 أبريل من العام الماضي. فقد انطلقت على متن الدراجة الهوائية من ألمانيا عبر البلقان، تركيا، جورجيا، وأرمينيا، ووصلت إلى أبو ظبي في منتصف أكتوبر. وتابعت رحلتها عبر الإمارات العربية المتحدة وصولاً إلى جنوب عُمان، قبل أن تعود إلى الإمارات للاحتفال بنهاية العام، وبعد هذا اجتازت الحدود وعبرت إلى المملكة العربية السعودية في مطلع يناير. 

في مرحلة المراهقة، كثيراً ما كانت ماكسي تشاهد مقاطع فيديو للرحّالة عبر "يوتيوب"، وكانت في الـ20 من عمرها فقط حين انطلقت في مغامرتها، ولهذا لم تكمل دراسة الطب، وقررت أن تعيش حلمها الآن أو لا تعيشه أبداً.

اليوم، وبعد أن أمضت ما يقرب من ثلاثة أشهر في المملكة، تقول إن هذا الجزء كان الأكثر إلهاماً في رحلة فتحت عينيها على العالم.     

وتشرح هذا بالقول: "السياحة على متن الدراجة الهوائية طريقة رائعة، ليس لمشاهدة الوجهات فقط، بل للتفاعل مع السكان المحليين أيضاً، لأن الناس سيتحدثون إليك دائماً وأنت تقود الدراجة".

وكانت هذه هي الحال بالفعل أثناء مرورها في السعودية. وتوضح أيضاً أنها قامت برحلتها من دون أي توقع للأحداث، ومن دون التفاعل مع تساؤلات بعض الأشخاص الذين أعربوا عن قلقهم إزاء سفرها بمفردها إلى بلد جديد. وفيما كانت تبحث عن وجهة شتوية وأثناء توجهها إلى مصر (وجهتها الأخيرة المفترضة)، قررت "الوصول إلى الرياض قبل متابعة رحلتها".

وفي العاصمة، الرياض، تعرفت إلى سائحة دراجة إسبانية، وأيضاً إلى راكب دراجات سعودي ودود دعاهما إلى المكوث في منزل أسرته لبضعة أيام. وهكذا، جنباً إلى جنب، مع صديقتها الإسبانية الجديدة، ومستندةً إلى نصائح يقدمها سائحون على متن الدراجة الهوائية عبر العالم من خلال مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي، انطلقت إلى الطائف. وسلكت السائحتان الطريق القديم، وتوقفتا خلال رحلتهما في المواقع السياحية، ومنها "حافة العالم" في نهاية جبال طويق، والموقع التراثي في شقراء.

 تروي ماكسي مسار الرحلة وتقول: "حين وصلنا إلى الطائف، دعتنا إحدى العائلات لشرب القهوة، وانتهى بنا الأمر بالبقاء في ضيافتها لمدة يومين. تم اصطحابنا إلى السوق... حيث تناولنا الحليب المكثف الدافئ مع التوابل. كذلك أظهر السكان المحليون شعورهم بالفخر وهم يعرضون الأنواع المختلفة من ماء الورد المحضّر من منتجات زراعية محلية".

في المحطة التالية، وهذه المرة بمفردها، عرّجت ماكسي مرتين على جدة حيث أمضت ثلاثة أسابيع. وهناك التقت الدليل السياحي سامي نوار الذي يشرف حالياً على ترميم "البلد"، وسط جدة التاريخي، وأحد مواقع التراث العالمي على لائحة منظمة اليونيسكو. ودعاها سامي إلى الإقامة في منزل أسرته القديم، والذي يعود بناؤه إلى 300 عام، ويتميز المكان بجدرانه المرجانية المذهلة وسقوفه الخشبية المطلية. وفي هذه الأثناء، انضمت ماكسي إلى ورشة حفريات أثرية تقيمها مجموعة صغيرة من السكان المحليين، وعدد من خبراء الآثار الذين يسعون إلى الحفاظ على تاريخ وثقافة المدينة الساحلية القديمة. 

ولم تكتفِ الرحّالة الشابة بذلك، بل استقلّت حافلة متوجهة إلى جازات وأبها. وهناك اكتشفت التضاريس الجبلية، الخضرة المورقة، مزارع القهوة، المانغو والموز. تشرح ماكسي بفرح كم أن قيادة الدراجة على الطرق المتعرّجة صعوداً إلى التلال أمر رائع. وعن مغامرتها في جبل السودة، هناك على مقربة من أبها في منطقة عسير، تقول: "المكان مرتفع جداً حتى أنني تمكنت من مشاهدة غروب الشمس عبر الغيوم". وفي مكان مجاور، رأت رجال القبائل القحطانية من الحبلة وهم يرتدون الملابس التقليدية مع إكليل على الرأس مصنوع من الزهور والأعشاب، ويحملون خناجر الجنبية المزخرفة.       

  وبعد توقف آخر في المدينة، حيث التقت مجموعة صغيرة من المسافرين وأقامت في منزل عائلة باكستانية، توجّهت ماكسي إلى حائل، ونصبت خيمتها وسط الحفر البركانية على مقربة من خيبر في شمال السعودية. وبعد ذلك، في العلا، أحد مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، اختبرت سعي المملكة إلى تطوير البنية التحتية للسياحة الحديثة، ويشمل هذا الأدلّاء واسعي الاطلاع في ما يتعلق بالتاريخ القديم للموقع الذي يعود إلى العصرين النبطي والداداني. 

كل هذا يُعيد ماكسي إلى لحظتها الراهنة، وها هي تنتهي من تناول فطورها وتتطلع إلى رحلة الـ30 كيلومتراً بالدراجة إلى وادي ديسة، ثم إلى تبوك لمشاهدة بلدات المنطقة الساحلية، المدافن القديمة، المواقع الأثرية وينابيع موسى على مقربة من مقنا، حيث يتدفق الماء تحت أشجار النخيل. "وكما هي الحال دائماً، قد تتغير الخطة هنا أيضاً"، تعلّق ماكسي ضاحكة. 

وترى أن اختيار أحد المعالم البارزة خلال الرحلة يبدو أمراً مستحيلاً، وتقول، إنها رأت الكثير حتى الآن. وتتابع: "حين نذكر المملكة العربية السعودية، يظن بعضهم أننا نتحدث عن الصحراء. لكنني أرى فيها الآن الكثير من المساحات الخضراء، الجبال، التضاريس المختلفة، الثقافات، والتنوّع المناخي. بل يمكن مشاهدة القردة في الجبال الساحلية التي تمتد من جازان في الجنوب إلى الطائف".

وتتحدث ماكسي عن القرى القديمة المهجورة التي يمكن اكتشافها على الطرق الخلفية في منطقة عسير في الباحة. وقد شاهدت ذلك من كثب حين تمت دعوتها من قبل إحدى الأسر إلى منزلها الجديد. واصطحبها أفراد العائلة في زيارة إلى المنازل الحجرية القديمة، كما رووا على مسمعها قصص أجدادهم، وأخرى عن حال المنطقة والحياة فيها قبل 50 عاماً. 

وحين تفكّر في المستقبل، لا تعرف ماكسي ما إذا كانت ستواصل الترحال على متن دراجتها الهوائية أم أنها ستعود إلى متابعة دراستها. وفي هذا الصدد تقول: "قد يشكل هذا صدمة ثقافية، خصوصاً أنني سأبتعد عن المنزل لمدة عام، علماً أن الأمر مثير للغاية. لا بدّ لي من معرفة ما يتعيّن عليّ فعله، الاحتمالات مفتوحة".

تشعر عائلتها الآن بالارتياح إزاء قرارها المتعلق بالسفر، وتوضح سائقة الدراجة الشابة هذا بالقول: "بالطبع، يشعر أفراد أسرتي بالقلق. لكنهم يرون حالياً أنني تغيّرت، أنني التقيت عدداً كبيراً من الأشخاص الرائعين وأنني، الآن، لست وحيدة. كما يرون أنني أتعلم الكثير". 

أياً يكن ما ستفعله لاحقاً، جمعت ماكسي الكثير من الذكريات، وخصوصاً في السعودية. وهي ترى أنه في كل بلد يذهبون إليه، في أي مكان من هذا العالم، على المسافرين توخّي الحذر إلى حدّ كبير، والتحلّي بمستوى عال من الوعي. لكنها تُعرب عن شعورها بالارتياح أثناء سفرها بمفردها داخل المملكة العربية السعودية، متحدثة عن حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، الأمر الذي لا تشعر به في أوروبا.

وتختتم قصتها بالقول: "تم استقبالي في البيوت. أبدى الناس ثقتهم بي كما تمكنت من الوثوق بهم. لاحظت ذلك الجانب الذي لا يراه الكثيرون. وأرى أن هذه الحفاوة، إلى جانب التقاليد والتاريخ، أمور لا يمكن أن تُنسى يوماً. أتيت إلى هنا لألتقي الناس وعرفت أن الناس طيّبون".