معاذ العوفي صُوَر تَستكشِفُ الماضي، وتُوثِّقُ تَحوّلاتِ اللّحظة الراهنة

معاذ العوفي صُوَر تَستكشِفُ الماضي، وتُوثِّقُ تَحوّلاتِ اللّحظة الراهنة

كيف تكشفُ صُوَرُ هذا الفنان الفوتوغرافيةُ، كثيرًا عن الثقافة، والتراث، والكنوزِ الدفينة؟
16 أبريل 23
Share

الأرضُ، البيئةُ، الأبنيةُ القديمة، والمواقعُ التاريخية.. تكتسِبُ معنًى جديدًا في أعمال معاذ العوفي. وهو إذْ يطلِق على نفسه ألقابًا، مثل: الفنان، الباحث، والمستكشف؛ يستخدِم آلة التصوير الفوتوغرافيّ كوسيلةٍ للتعبير عن الذات، واستكشافِ العالَم المُحيط به، خاصةً في بلدِ نشْأتِه المملكة العربية السعودية. وتُظهِرُ صُوَرُه الفوتوغرافيةُ: المِساحاتِ الطبيعيةَ الشاسعةَ القاحلة، ومَواطِنَ التراث والتقليد، وأكثر، كما تَكشِفُ الوجهَ الآخَر للمملكة - خاصةً في مرحلة التحوّل الكبير.

وهو يَشرح هذا بقوله: "أريدُ أنْ أُظْهِرَ ما الذي يحدُث فعلًا وراءَ الأبواب الخلفية في هذه الأمكنة، واستكشافَها".

ويُقِيم العوفي حاليًّا في الرياض، علمًا بأنه عاد إلى مكانِ نشْأته في المدينة المنورة بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الإدارة البيئية والتنمية المستدامة، من جامعة بوند في غولد كوست في أستراليا. ويشار إلى أنه بدأ التصويرَ في مَوطِن ولادته كطريقةٍ للتعبير والاستكشاف.

وتُعرَضُ أعمال العوفي حاليًّا في إطار "بينالي الفنون الإسلامية الافتتاحيّ في جُدّةَ". وتحت عُنوان: "التشهّد الأخير"؛ تُظهِرُ مجموعةُ صُوَرِه: المساجدَ المهجورة المنتشرة على طول الطريق المتعرّج المؤدي إلى المدينة المنورة. وقد قام بتشيِيد هذه المساجد - التي كانت تَحظى بإعجاب الجميع بعِمارتها المينيمالية، وصِغَرِ مِساحتها -؛ عددٌ من فاعلي الخير، بهدفِ توفير مكانٍ يُمكِنُ للمسافرين والحُجاج التوقّفُ فيه، من أجل الخلود إلى الراحة والصلاة.

وفي إطار مشروعِه المقبل؛ تمّ تكليفُ العوفي - بصورةٍ خاصّة -، بتصويرِ مَبنًى تراثيّ في المملكة. وهو يَصِفُ هذه التجربةَ بقوله: "إنّه الحنينُ إلى الماضي"، مُضِيفًا: "يُعبِّر هذا المشروعُ عن النوستالجيا، وانحلال المفاهيم؛ عن الحالةِ حين تُرك كلُّ شيء في المكان. كما أنه يسلِّط الضوءَ على كيفيّة تأثير الوقت في كلّ ما تبقى. إنه أمر رائع". 

وتتمحْورُ أعمال العوفي الحالية، حول: التوثيق الفنيّ. وهو إذْ يُوضِّح الهدفَ، يقول: "هو التقاطُ اللحظة الراهنة، وتلك الآتيَة، فضلًا عن الحالة السابقة للتاريخ والتراث". ويَشرح كيف ذهبَ أيضًا لاستكشاف "ما كان يُمكن أن تكون عليه الأمور أو لا تكون، بغضّ النظر عن التغيير الكبير الذي تَشهدُه المملكة العربية السعودية، على مستوى الحِفاظ على المَعالم والمواقع التاريخية، والاهتمامِ بها".

وتُشكّلُ مَناظرُه الطبيعيةُ الشاسعة والقاحلة التي شُيِّد عليها بناءٌ مُنفرِدٌ، أو مسجدٌ، أو أبوابٌ تراثية: المِفتاحَ لِفَهم الزمنِ الراهن، وتأثيرِ بقايا ماضي السعودية القريبِ في حاضِرِها المُتغيّرِ باستمرار.

ونُذكّرُ بأنّ العوفيّ هو أيضًا: مُؤسِّسُ ستوديو المَثبى الفنيّ، والمُؤسسُ الشريكُ لفريق "إرث للتوثيق الجويّ  Erth Team" - المجموعة المدرّبة والمتخصّصة في رحلات السفاري، والتصوير الجويّ، وتوثيق السفر -. وعُرِضتْ أعمالُه في مختلف مناطق المملكة، كما في البحرين، وعُمان، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وبلجيكا، والولايات المتحدة الأمريكية.

وأثناء التصوير؛ يَسعى العوفيُّ دائمًا إلى البقاء حاضِرًا، مُتيقِّظًا، مع تركيزه في الاستِمتاع باللحظة الراهنة. فخلالَ عملِه "لا وُجودَ للماضي أو للمستقبل"؛ على حدّ تعبيره. كذلك يتَمحْورُ عملُ العوفي - إلى حدّ كبير - حول السعودية، علمًا بأنه يَرى أنه لا يستمدُّ إِلهامَه من مكان واحد في العالم. 

"لا يتعلقُ الأمر بالجغرافيا، بل بالممارسات البشرية، وربّما أكثرَ بالذكاء"؛ يقول، ويتابِع: "يتعلقُ الأمرُ بكيفية تَحدِّينا أنفسَنا على المستوى الإبداعيّ، مِن أجل إنهاء عملٍ جديد، أو ابتِكارِ ما هو جديد. وأنا أستَمِدُّ إلهامي مِن كلّ الفنانين حولَ العالم، ومِن طريقةِ عمل أذهانهم مِن أجل ابتكارِ كلّ ما هو فريد".  

ويُضيفُ مُتأمِّلًا: "أُحِبّ ملاحقةَ حقولِ الحِمَم البركانية في الصحراء". علمًا بأنّ مدينةَ "خيبر" القديمة، في منطقة المدينة المنورة؛ هي أحدُ المَواقع المفضّلة لديه. وهو إذْ يعلِّقُ على ذلك، يقول: "إنها إحدى الوُجهاتِ الأكثرُ عطاءً. وكلّما عُدْتُ إلى المدينة واستَكشَفْتُها؛ يُفاجِئني مَوقعٌ جديد، ومواضيعُ جديدةٌ يتعَيَّن عليّ مُشاهدتُها".

وفي هذه الأيام؛ يُركِّز العوفي أكثرَ، على العاصمة؛ يقول: "طالَما أنني أعيشُ هنا، وأُقِيم في الرياض؛ أريدُ مُشاهدةَ المَزِيد فيها. أُريدُ أنْ أَحفِرَ أكثرَ في المناطق الحضَريّة التي لم أذهبْ إليها مِن قَبلُ".