رحلة بين الثقافات
رحلة بين الثقافات
تأخذنا الأميرة نورة الفيصل في رحلة بين الثقافات لاكتشاف أوجه الشبه بين الداخل والخارج، ومشاهدة المحيط المعماري المدهش والتعلم من خلال التفاعل مع المجتمعات والمواقع المختلفة التي تشكل أحد أبرز اهتماماتها في أيام العطلات

قد نخطط لاستكشاف اليابان في أثناء قيامنا برحلة ما، أو ربما نتطلع إلى اكتشاف مصدر إلهام ما خلال تجولنا في معرض منسوجات يقام في هونغ كونغ، بل قد نرغب بشدة في أن نكون شهوداً على الضجة التي تحدث حول أبنية أيندهوفن التي أعيد تجديدها. فكل ما نريده هو اختبار تجارب مفيدة لا تُنسى.
سفر وفن وثقافة
غالباً ما أقوم برحلات العمل وكثيراً ما تشكل المعارض السبب الذي يدفعني إلى ذلك. لذا أسافر إلى أوروبا باستمرار للاطلاع على الفعاليات المختلفة مثل ورش العمل والمعارض التي تقام في بلدان منها فرنسا وإيطاليا. كذلك تشكل سنغافورة جزءاً من الوجهات التي أقصدها لغايات عملية، وهناك أعرض مثلاً مجموعة المجوهرات الخاصة بي. لكن في حال قررت السفر لأسباب شخصية، فإنني أبحث عن تجارب لا تُنسى. وهكذا تراني أرصد الوجهات غير المألوفة والأمكنة غير العادية. ولا بد لي من أن أتذكر في هذا السياق الرحلة الخاصة جداً التي قمت بها برفقة شقيقي الأصغر. وكانت تلك أولى مغامراتنا معاً، وقد شعرت بسعادة لا حدود لها حين دعاني إلى خوض هذه التجربة. فهو اعتاد القيام بمثل هذه الرحلات وكانت اليابان وجهة لا يعرفها كلانا. ورغم أنني لا أهتم بعالم السيارات والقيادة، إلا أنني قررت المشاركة في هذه المغامرة لكي أمضي مع شقيقي أوقاتاً مميزة. واستغرقت الرحلة أسبوعاً واحداً فقط، إلا أنها كانت فعلاً من أكثر الرحلات التي قمت بها في السنوات الأخيرة تميزاً وروعة.
الاحتفاء بالثقافة والتراث من خلال السفر

أياً يكن المكان الذي أقصده والحدث الذي أشارك فيه، أشعر دائماً بأنني مواطنة سعودية تتوق إلى الاستفادة من فرص الحوار بين الثقافات. وخلال المدة التي أمضيناها في اليابان، تفاعلت وشقيقي مع بيئة ثقافية جديدة تماماً، رغم أننا اكتشفنا بعض المعالم التي ذكرتنا بالوطن. لقد رأيت في اليابان وجهاً من وجوه الحداثة الآسرة، علماً أنني أسعى دائماً إلى التعلم كلما قمت بهذا النوع من الرحلات. وقد أدهشني جمال البيئة الطبيعية وتنوع الأساليب المعمارية المعتمدة هناك. أما بعد زيارتي المعارض والجادات الفنية فلاحظت أوجه الشبه بين الثقافات، ما يؤكد أن الطبيعة البشرية واحدة وأنه لا بد لنا من استثمار فرص قيّمة للتعلم والتبادل.
التواصل مع العالم
بعد مغادرتنا اليابان، قمنا بزيارة قصيرة لهونغ كونغ حيث مررنا بمركز رائع يُعرف باسم The Mills. وهو مبنى تحول إلى مساحة لإقامة المعارض، والبيع بالتجزئة، بالإضافة إلى عرض أعمال التصميم المحلي، علماً أنه يركز إلى حد بعيد على الاستدامة ويحتضن متحفاً مصغراً يضم معرضاً للنسيج. وقد ذكّرني هذا المعرض باهتمامي بعالم المنسوجات السعودية، وبطرق الترويج لها، وبمتطلباتها التقنية، كما ذكرني بالوسائل التي يمكن أن تساعد على تطورها. ودفعتني أجواء التعاضد والتعاون السائدة في ذلك المجتمع إلى التفكير بمختلف المشاريع التي تطلق في مختلف أنحاء المملكة. فمن خلال توفير المساحة والفرص اللازمة، يمكننا أن نسمح للمبدعين بتشكيل مستقبلهم الخاص بدلاً من فرض قوالب جاهزة عليهم. وهو ما يتمحور حوله مفهوم The Mills حيث يوفر المساحة والأدوات الضرورية للتواصل والتفاعل.
تنفيذ الأفكار في السعودية
قد تولد الأفكار في ذهني وتتطور، لكنّ الاطلاع على أمثلة تظهر كيفية تنفيذها بنجاح أمر مفصلي ومهم جداً. لذا، وخلال رحلاتي المختلفة، أبحث عن مجتمعات ونظم بيئية دقيقة تجسد هذا المفهوم. فمن الرائع أن تشهد مثلاً ذلك التحول الذي يحدث في أيندهوفن في هولندا حيث شُيدت بعض الأبنية في محيط البنى التحتية التاريخية لشركة Philips. وبدلاً من هدم هذه الأبنية القديمة واستبدالها بأخرى حديثة، يُعمل على تجديدها وتحويلها إلى مدارس، جامعات، وأكثر، وهذا ما ساعد على تعميم نظام تصميم صديقٍ للبيئة. وهكذا نرى أن المدينة التي تنبض بالطاقة تجمع الماضي والمستقبل على أرض واحدة. وقد لاحظت هذا الطابع الحيوي نفسه في هونغ كونغ، سنغافورة وأماكن أخرى. وأعني بهذا ذلك الانسجام بين الماضي والمستقبل والتفاعل المتبادل بين المجتمعات المختلفة.
وجهتي المفضلة في السعودية
أتيحت لي مؤخراً الفرصة لزيارة البلد في جدة. ورغم استمرار أعمال التجديد وعدم إنجاز بعض الأشغال، يمكن القول إن هذه المنطقة تتسم بإمكانات تاريخية هائلة. ونظراً إلى الروابط العائلية، تشغل جدة دائماً مكانة مهمة في قلبي، وأشعر بكثير من الحماس لدى ملاحظتي ما تتمتع به المنطقة من حيوية، من خلال رؤيتي ما يجري هناك من أعمال تجديد تطال المنازل القديمة وفنادق البوتيك، فضلاً عن لقائي السكان المحليين. وفيما أسير في شوارعها يمكنني تصور المستقبل الواعد الذي ينتظرها.