بطاقة بريدية من أشرف فقيه

بطاقة بريدية من أشرف فقيه

يحكي لنا الروائي، الأكاديمي، وعاشق السفر والتاريخ، السعودي أشرف فقيه، قصصاً ملوّنة عن مكان إقامته الحالي: العاصمة الصينية بكين
14 ديسمبر 23
Share

"هي مدينة عظيمة، مثل نيويورك، لكنّها أيضاً موطن 750 عاماً من التاريخ. هي بكين الحديثة، عاصمة أقدم الإمبراطوريات على وجه الأرض. لذا، ليس صعباً فهم ذلك السحر الفريد الذي تتسم به. فهي تفاجئ كل من يزورها بما تقدمه من فرص للاستمتاع بالجمال بكل معانيه. وهنا، يشعر أشرف فقيه، وهو أحد أبناء المدينة المنورة في السعودية، بأنه في منزله.

لا يكتفي المؤلف الحائز على درجة دكتوراه في علوم الكومبيوتر، بالترحال في عالم الخوارزميات، بل إنه يحرص على التنقل في مختلف أنحاء العالم كلما أتيحت له الفرصة لذلك أيضاً. وهكذا يكتشف، خلال كل رحلة، العناصر المشتركة بين الثقافات والقارات: "نحن عائلة واحدة تضم 8 مليارات فرد وأكثر، هذا كل ما في الأمر"، يقول مبتسماً.

شغف أشرف بالاستكشاف والمغامرة قاده إلى الترحال في مختلف أنحاء العالم، وإلى الانتقال من موطن نشأته في المدينة المنورة، إلى مكان إقامته الحالي في العاصمة الصينية. وهو يتذكر أياماً قضاها في المنطقة الشرقية في المملكة حيث عمل أستاذاً محاضراً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، قبل أن ينتقل إلى تكساس في الولايات المتحدة الأميركية فأونتاريو في كندا. وبين مكان إقامة وآخر قام أشرف بعدد من الرحلات وألّف بعض الكتب.

وأخيراً وبعد زيارته نحو 32 وجهة، دفعه فضوله للتوجه إلى الصين: "قمت بقفزة مهمة العام الماضي وانتقلت للعمل في شركة مهمة. وها أنا أعيش اليوم في بكين. يا لحظي السعيد!".

الحياة في العاصمة الصينية

عن سبب انتقاله إلى الصين، يقول أشرف: "دفعتني خطوة مهنية غير متوقعة إلى الانتقال إلى الشرق الأقصى. وبعد مرور عام، أرى فعلاً أنه على كل من يرغب في زيارة المنطقة أن يتوجه إلى بكين. في الواقع، لا يسعنا إنكار أثر الصين التاريخي والثقافي، ولا بد لنا من الاعتراف بأن بكين هي جوهرة هذا البلد".

ويشير الأستاذ السعودي إلى أن المدينة الصينية تتسم بصخب المراكز الحضرية، على غرار نيويورك. ويلفت إلى أنها تتميز أيضاً بأجوائها وبهويتها الخاصة، مشيراً إلى أنها تعد موطناً للعديد من الوجهات البارزة. ويذكر في هذا السياق منطقة الأعمال المركزية التي تثير الإعجاب بسحر هندستها المعمارية الحديثة، فضلاً عن الحدائق والمعالم التاريخية، ومنها برج الطبل والحديقة الإمبراطورية. 

وإذ يصف حياته فيها يقول: "تشكل حياتي في الصين تجربة لا مثيل لها. ولا بدّ لي من الإشارة إلى التاريخ المشترك بين العرب والصينيين. نعم، العناصر المشتركة أكثر مما نتوقع. وربما سيستند مشروعي المقبل على ما أتعلمه وأكتشفه هنا".  

أفضل المطاعم وأشهى الأطباق

يحب أشرف مذاقات المطبخ الصيني، لذا ينصح زوار بكين بالتوجه إلى بعض المطاعم، ويقول: "إذا قررت زيارة بكين، لا بدّ لك من تجربة طبق بطة بكين. ولهذه الغاية أنصحك بالذهاب إلى مطعم ذا هوريزن الكائن في فندق كيري وحيث يتم تقديم طبق البط  اللذيذ Ya Yuan.

وماذا يفضل أيضاً؟ الطعام الساخن وخصوصاً ذلك الذي يقدّم في مطعمه المفضل يين تشان كوفو. ويعبر أشرف عن إعجابه الشديد بمذاق الوصفات التي يتم تحضيرها في المكان: "الطعم لا يضاهى والمشهد رائع: وعاء يحتوي على المرق الذي يغلي ببطء قبل أن تتم إضافته إلى مكونات نيئة للحصول على وجبة رائعة".  

وينصح الأستاذ أيضاً الراغبين في تناول الطعام إلى مائدة بكين باختيار طبق لحم الضأن المشوي الذي يؤتى به من مقاطعة شينغيانغ الواقعة في الشمال الغربي. كما يدعو هؤلاء إلى تجربة مطبخ شنغهاي في مطعم شنغهاي تانغ (قد يتم إدراجه على لائحة المطاعم الحاصلة على نجمة ميشلان)، والنودلز في مطعم ذا ريد تشامبر. ويشير إلى أنه يمكن الوصول إلى المطعمين من خلال الذهاب إلى مركز تشاينا وورلد مول: "لأنها العاصمة، تعتبر بكين المكان المثالي لعيش تجربة طعام شديدة التنوع، كما هي حال الانتماءات العرقية في البلاد".

ولا ينكر أشرف أنه يتوق إلى تناول الطعام السعودي، إلا أنه يؤكد أن بكين تقدم بعض الخيارات المألوفة: "أتحدث هنا عن مطعم Qubbe Kubei التركي ومطعم توست حيث يتم تحضير أطباق تجمع اللمسات الشرق أوسطية والصينية". 

وكما هي حال الجميع، يحب الكاتب تناول القهوة في مكان مميز. وهو يفعل هذا في نهاية كل وجبة: "أفضل مطعم زارا الكائن في بكين القديمة. هناك تُبث الموسيقى أيام السبت ويقام حدث ثقافي".   

أماكن التسوق

يرى أشرف أن الحظ حالفه لأنه استطاع الإقامة في منطقة تشاويانغ في العاصمة الصينية. فهي موقع حي الأعمال المركزي وموطن للعديد من مراكز التسوق: "إذا سرت على طول الطريق، لا بد من أن تصل إلى عالم من المتاجر التي تعرض سلع العلامات التجارية الكبرى. كذلك أنصحك بالتوجه إلى مركز سانليتن وإلى هوبسون وان مول". 

ومن أجل شراء الهدايا، يفضل الشاب العاشق للسفر الذهاب إلى دونغ تشينغ، وهو حي يقع في بكين القديمة ويُشتهر بأزقته: "في الواقع، ترتبط الأزقة الضيقة عادة بمدن شمال الصين، وتحديداً بكين. وهي تتميز بالمنازل التي تم تشييدها على الطراز القديم وبالمتاجر حيث تباع المنتجات والمأكولات التقليدية".

وجهات لا تُنسى

تعد حدائق حرم جامعة بكين من أفضل المناطق التي يحب أشرف التوجه إليها، إذ يقصد تحديداً حديقة يان، وهي حديقة ملكية سابقة حافظت على سحرها وهدوئها لقرون عدة.

وإذ يعرب عن إعجابه بمعالم المدينة الصينية، يقول: "لعلّ أكثر ما يثير الدهشة في الصين هو أنها تحتضن بعضاً من أقدم المساجد التي تم بناؤها في القرن الإسلامي الأول خارج شبه الجزيرة العربية. ونظراً إلى ارتباط شبه الجزيرة والصين قديماً بطريق الحرير، فقد بني نحو 70 مسجداً في بكين وحدها". ويتابع في السياق نفسه: "يعتبر مسجد نيوجيه أحد أكثر تلك المساجد قدماً، وقد بني في العام 966 م. وكم يعجبني ذلك الانسجام بين الهندسة المعمارية الصينية التقليدية ووظيفة هذا الصرح الديني".

معالم ثقافية

إذا قررت زيارة بكين للمرة الأولى، يدعوك أشرف إلى المدينة المحرمة التي تضم مجموعة قصور محاطة بالأسوار ومتحفاً، ويذكرك بضرورة حجز تذكرتك مسبقاً. كما ينصحك بالتوجه إلى القصر الصيفي وإلى معبد السماء أو معبد الفردوس، ويشجعك على أن تقصد أماكن أخرى: "لا بدّ لك من زيارة ساحة تيانانمين. وبالطبع لا تنسَ سور الصين العظيم الذي يبعد نحو ساعتين بالسيارة عن العاصمة".    

متاحف ومعارض فنية

تضم بكين عدداً كبيراً من المتاحف، وبالإشارة إليها يقول أشرف: "لا بد لي من ذكر أبرزها، أي المتحف الصيني الوطني الذي يضم صالة عرض رائعة ويثير اهتمام عشاق الفنون في موقعه على طريق الحرير التي امتدت في عهود سابقة بين الصين والهند وإيران وشبه الجزيرة العربية". كما يوصي بضرورة استكشاف حي 789 الفني الذي تحول من مجمع للمصانع العسكرية إلى مساحة إبداعية تضم عدداً من صالات العرض، المحترفات ومتاجر البيع بالتجزئة. 

ويشير الشاب السعودي أيضاً إلى المركز الوطني للفنون المسرحية الذي يستضيف عروضاً ذات مستوى عالمي، فيقول: "هناك شاهدت عرضاً أوبرالياً كلاسيكياً وأوبرا عايدة للمرة الأولى في حياتي".

أماكن الإقامة

تحفل عاصمة الصين بأماكن الإقامة الفاخرة، ومنها يختار أشرف فندق كيري. كما يقترح على عشاق التاريخ حجز أماكن لهم في فندق ذا أوركيد، ويدعو محبي الطبيعة إلى التوجه إلى خارج المدينة حيث يقع فندق صن رايز كمبنسكي على مقربة من بحيرة يانكي.

أما من يفضلون الإقامة في الأحياء، فينصحهم بالتوجه إلى حي دونغتشنغ، أحد أحياء المدينة القديمة، أو إلى شارع كيانمن الذي يتيح فرصة التسوق سيراً على الأقدام ويعود بتاريخه إلى نحو 600 عام.

مهرجانات وأعياد

بعد إقامته في الصين، بات أشرف يعرف أن هذا البلد يقيم 4 مهرجانات تقليدية سنوياً، وعنها يقول: "تعتبر هذه المهرجانات جزءًا من التقليد الوطني، وهي: مهرجان الربيع، مهرجان تشينغمينغ، مهرجان قوارب التنين، ومهرجان منتصف الخريف".

ويذكر أيضاً عيد رأس السنة الصينية، الذي يعرف أيضاً بعيد رأس السنة القمرية أو مهرجان الربيع، وهو من أبرز الأحداث التي تشهدها البلاد. فخلال أيام هذا العيد يجتمع أفراد العائلات ويمضون معاً إجازة تستمر أسبوعاً. كما يقوم هؤلاء بزيارة الأقارب والمعابد، بالاحتفال بمهرجان الفوانيس، بإطلاق الألعاب النارية، وبتقديم الهون غباو أو المظاريف الحمراء التي تحتوي على هدايا نقدية. ويشار إلى أن اللون الأحمر يكتسب أهمية كبيرة خلال هذه المناسبة إذ يرمز إلى الحظ السعيد.

ويتم الاحتفال بمهرجان تشينغمينغ، الذي يُعرف أيضاً باسم يوم كنس المقابر، يومي 4 و5 أبريل من كل عام. وخلالهما يمضي الناس معظم أوقاتهم خارج المنازل، حيث يستمتعون بجمال الطبيعة في فصل الربيع. ويشكل هذا المهرجان مناسبة ليظهر هؤلاء وفاءهم للأجداد، وليطلقوا الطائرات الورقية. 

أما مهرجان قوارب التنين، أو مهرجان دوانوو، فيتم الاحتفال به في الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني. وينظم هذا الحدث السنوي تكريماً للشاعر الوطني كيو يوان، وقد تمت إضافته في 30 أكتوبر 2009 إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة اليونيسكو. 

أخيراً، لا أنسى مهرجان منتصف الخريف الذي يُعرف أيضاً باسم مهرجان القمر أو مهرجان كعكة القمر. ويتم إحياء مراسمه في اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن حسب التقويم القمري الصيني، وهو الحدث الثاني الأكثر أهمية بعد رأس السنة الصينية.