بطاقة بريدية من ملبورن

بطاقة بريدية من ملبورن

يصحبنا المصور، المخرج والمبدع السعودي، فهد الغامدي، في جولة على مواقع يحبها في مدينة ملبورن الأسترالية، مكان دراسته وموطنه الثاني
20 مارس 24
Fahad Alghamdi Shows Us Around Melbourne Image source: Ahmad Samir Al-Dabagh
Share

"أنت لا تلتقط الصورة، بل تصنعها". كلمات معبّرة تعود إلى أسطورة التصوير الفوتوغرافي الأميركي الراحل، أنسيل أدامز. وقد استعان بها المغترب السعودي، فهد الغامدي، 23 عاماً، ليختصر من خلالها سيرته الذاتية على حسابه الخاص على إنستغرام. وبالحديث عن هذه السيرة يقول: "أحب التواصل مع المجتمع الإبداعي هنا، من خلال الذهاب إلى النوادي الفنية والمشاركة في جولات التصوير. وقد ساعدني هذا إلى حد كبير على تطوير مهاراتي في صناعة المحتوى".


يقيم فهد حالياً في ملبورن، المدينة الأسترالية التي تتميز بتنوعها، إذ يقال إنها تشكل ملتقى لما يقرب من 140 ثقافة مختلفة. وعنها يقول: "زرت كثيراً من المدن في الماضي، لكنني لا أتردد في وصف ملبورن بأنها الأكثر إلفةً. فقد تمكنت من تكوين الصداقات فيها خلال مدة قصيرة جداً". في الواقع، يمكن القول إن هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة هي العاصمة الثقافية لأستراليا، وإنها أكثر حداثة وإبداعاً واتباعاً لنمط العيش الأوروبي من شقيقتها سيدني.


وفي وسط المدينة، أو ما يعرف بمنطقة الأعمال المركزية، يقيم الغامدي منذ نحو أربع سنوات. وهو يعرب عن إعجابه بالحي حيث يعيش، مشيراً إلى أن الإقامة فيه شجعته على الاستمتاع بممارسة بعض الهوايات مثل التزلج على الألواح: "تعتبر ملبورن المكان المثالي للقيام بذلك، إذ تضم العديد من أماكن التزلج".


في مرحلة نشأته الأولى، عاش الغامدي في بريسبان، عاصمة ولاية كوينزلاند الأسترالية، التي تبعد نحو ساعتين بالطائرة عن ملبورن. ورغم عودته إلى السعودية، لم يتمكن الشاب من التخلص من شغفه الأسترالي: "أردت العودة دائماً، العودة إلى ملبورن تحديداً. فقد كنت أحلم باستكشافها. ومنذ عامين أتيت إليها زائراً ثم قررت الالتحاق بإحدى جامعاتها من أجل متابعة دراستي، لذا تراني أقيم هنا".


وإذ يشير إلى أنه قد يختار الإقامة الدائمة أو الجزئية في المدينة الأسترالية، يضيف: "سأعود إلى وطني، السعودية، بعد حصولي على شهادة في القانون (من جامعة موناش)، لكن لا شكّ في أنني سأقوم بزيارة ملبورن مراراً وتكراراً في المستقبل لأنني أرى فيها وطناً ثانياً".
لكن ما الذي يفعله الغامدي كلما شعر بالحنين إلى بلده؟ على هذا السؤال يجيب: "في هذه الحالة، أتوجه عادة إلى المرتفعات، مثل سلسلة جبال ديندينونغ رينجز، ولا عجب في هذا، فقد نشأت في مدينة الباحة". وإلى أن يحين موعد عودته، يمكنك الاعتماد عليه كمرشد سياحي في المدينة التي يحب.

مدينة القهوة

يمكن وصف ملبورن بأنها مدينة القهوة، فهي تدعو ضيوفها إلى زيارة مقاهيها الكثيرة التي تقدم تجارب مختلفة. يمكن هؤلاء مثلاً احتساء القهوة في الهواء الطلق جلوساً على صندوق يُستخدم عادة لتوضيب الأغراض. ويشكل هذا جزءًا من تقاليد بعض المقاهي المحلية، ومنها أماكن اللقاءات صغيرة المساحة والمنتشرة في شارع ديغريفز.


ولأننا نرافق الغامدي في هذه الجولة، عرفنا أنه يفضل احتساء قهوة الفلات وايت في مقهى شورتستوب كوفيه أند دوناتس في شارع ساذرلاند، أو في توريز، وهو مخبز تقليدي صغير يقع على مقربة من ممر المشاة نياغارا لين، أو ربما في مقهى أبوتيك سبيشيلتي كوفي الكائن في شارع روسلاين غرب المدينة. وهو يدعو الزوار أيضاً للتوجه إلى مقهى دوكس كوفي روسترز حيث يتم الحرص على تقديم أفضل قهوة في العالم، وإلى بلغريني إسبريسو بار في شارع بورك.

وعنه يقول الغامدي: "عادة ما يكون بلغريني خياري المفضل كلما أردت تناول الطعام الإيطالي مثل الجنوكتشي والمعكرونة على أنواعها. كما أنني أقصده من أجل الاستمتاع بالأجواء المميزة، تناول الحلويات اللذيذة وبالطبع القهوة رائعة المذاق".


كذلك تعدّ الأماكن التي تقدم مشروبات تحتوي على الحليب، ووجبات جاهزة كالهمبرغر، وأخرى خفيفة، مواقع ضيافة تقليدية في أستراليا. لذا، فهي تنتشر في ملبورن أيضاً، ومنها باجو ملكبار المعاصر حيث يقوم فريق العمل بتحميص الحبوب، صناعة الخبز، وإعداد شراب الماتشا لاتيه الأخضر اللذيذ.

وجهة النكهات الفريدة

لدى سؤاله عن أفضل مطاعم المدينة الأسترالية، يختار الغامدي مطعم بوولتيفول الكائن في شارع سوانستون، ويقول: "هو المكان المناسب لعشاق المأكولات الحلال من مطبخ شمال غرب الصين. فهو يُشتهر بأطباق النودلز المحضرة يدوياً. أما خياري المفضل فهو طبق النودلز الجاف مع قطع لحم صدر البقر الكبيرة المطهوة ببطء".
كما يذكر مطعم ستافد لامب الذي يستقبل ضيوفه في ضاحية رزيرفوار، والذي يقدم الأطباق الشرق أوسطية: "لا بد لك من تجربة مذاق لحم الضأن المطهو على نار هادئة مع خليط من البهارات العربية، والذي يتم تزيينه بالفلفل الأخضر، والبقدونس، والبطاطا، وتقديمه مع الأرز وتناوله مع صلصة تزاتزيكي وصلصة المندي الحارة".
أما الخيار الثالث على قائمة الغامدي فهو مطعم غريلد هالثي برغر، وهو يصفه بالقول: "هناك يتم تقديم أنواع البرغر الأسترالية الصحية المفضلة لديّ. وهي تتميز بطعم فريد. وتعتبر أجواء الفرح من الأسباب التي تجذبني إلى هذا المكان".

موطن عشاق التسوق


كما ذكرنا سابقاً، تشكل ملبورن وجهة لعشاق التزلج على الألواح، لكنها أيضاً مكان مثالي للتسوق في أستراليا. وهذا ما يوضحه فهد قائلاً: "يعتبر متجر فاست تايمز سكيتبوردينغ من مواقع التسوق المفضلة لدى كثير من سكان المدينة. فهناك تعرض كل مستلزمات التزلج. وأنا أقصده لشراء الأحذية والألواح، إذ يقدم خيارات كثيرة بأسعار مناسبة".


كما ينصح كل من يرغب في القيام بجولة شراء في ملبورن بالتوجه إلى مراكز تسوق مثل دي أف أو ساوث وورث، تشادستون، وهاي بوينت شوبينغ سنتر حيث يمكن التبضّع بأفضل الأسعار. ويدعو زوار المدينة أيضاً إلى اختيار الهدايا من سوق كوين فكتوريا: "في هذا السوق تمكنت من شراء حقائب كبيرة تتميز برسوم محلية ترتبط بثقافة ملبورن المحلية. لا شكّ في أنها ستحظى بإعجاب أصدقائي".


وماذا عن القطع القديمة والمجوهرات؟ على هذا السؤال يجيب الشاب السعودي بدعوة ضيوف ملبورن إلى زيارة مركز رويال أركيد التجاري. ويشير إلى أنه تم بناؤه في العام 1869، وأنه يعتبر أقدم مركز تسوق في المدينة، حيث يتميز بهندسته المعمارية الإيطالية الرائعة، وبتماثيله التي تستحق المشاهدة. كما يشجع هؤلاء على التوقف في مطعم هوبتاون تي رومز الذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 1892.

قمّة الاسترخاء

يحرص الغامدي على العناية بنفسه، بصحته ومظهره: "أقصد سبا Pen Pen Wellness Massage & Spa. وهناك أحظى بجلسة تدليك تايلاندي". أما في حال قرر الإقامة في أحد أماكن الضيافة لبعض الوقت، فلا يتردد في التوجه إلى فندق ملبورن ماريوت: "يتمتع هذا الفندق بإطلالة فريدة على نهر يارا. وقد أقصد فندق لانغهام، ملبورن الكائن في منطقة ساوثبانك لأنه يتميز بأسلوبه العتيق الرائع".

أرض المكتبات

يتولى طالب القانون السعودي مهمة الدفاع عن مكتبات المدينة. فهو يدعو الجميع إلى زيارتها، وينصح بقضاء وقت هادئ في مكتبة ولاية فيكتوريا، أكبر المكتبات العامة في ملبورن. فهي تتميز، حسب وصفه، بمصابيح القراءة الخضراء والذكية، وبهندستها المعمارية المدهشة. كما يتحدث عن مكتبة لايبريري آت ذا دوك التي تتيح لروادها مشاهدة نهر يارا من زاوية جديدة. وهو يدعو هؤلاء أيضاً لزيارة مكتبة narrm ngarrgu التي تم افتتاحها في العام 2023 في منطقة الأعمال المركزية حيث توصف بالواحة الحضرية.

فقط… في ملبورن

لا بد للمسافر الذكي من التركيز على التجارب الفريدة التي يمكنه عيشها في أي وجهة يقصدها، وخصوصاً في مدينة مثل ملبورن. لذا، يشير الغامدي إلى بعض النشاطات التي يمكن القيام بها لمرة واحدة، وفي هذه الوجهة الأسترالية فقط. ويقصد بهذا منصة المراقبة، ملبورن سكاي دك، حيث يمكن مشاهدة منظر غروب الشمس بزاوية 360 درجة. كما يركز على أهمية خوض تجربة مناطيد الهواء الساخن عند شروق الشمس، والقيادة على طريق المحيط العظيم: "قم باستئجار سيارة وانطلق ليومين على الأقل". كما ينبّه إلى ضرورة الحجز المبكر عبر الإنترنت قبل الذهاب في رحلة على متن القطار البخاري، بوفينع بيلي، ويضيف: "استمتع بمشهد الغابات التي يمر عبرها القطار". ويذكّر كل زائر بأهمية ركوب الحافلة أو الدراجة الهوائية أو الباص من أجل الوصول إلى شاطئ برايتون باثينغ بوكس للاستمتاع بيوم مشمس.

خريطة الزائر


هل أتيت إلى ملبورن لتمضية إجازة قصيرة؟ إذاً اتبع هذه الخريطة التي رسمها فهد الغامدي، للعائلة والأصدقاء، والتي يمكن أن تساعدك على مشاهدة كثير من معالم المدينة.

انطلق من منطقة الأعمال المركزية، قم بجولة في محيطها، تناول الطعام، وابحث عن المتاجر، قبل أن تصل إلى محطة شارع فلندرز (1910). وهناك احرص على التقاط بعض الصور لتتذكر دائماً تصميم هذه الوجهة المثير للإعجاب. وفي حال كان الطقس مناسباً، انتقل إلى حدائق فكتوريا النباتية الملكية، ثم إلى حدائق ملبورن حيث يمكنك التنزه والجلوس في أحضان الطبيعة الخلابة. كذلك يوصيك فهد بأن تتجه إلى حدائق كارلتون المدرجة على لائحة التراث العالمي لأنها تستحق الزيارة، حسب قوله.


كذلك لا تنسَ زيارة ضريح ريميمبرانس، أو ضريح الذكرى، وهو نصب وطني فيكتوري أقيم تكريماً لأؤلئك الذين ساهموا في إرساء السلام في العالم. وتذكر أنه يتميز بإطلالة رائعة على المدينة.


وليس عليك بعد هذا سوى الذهاب إلى وجهة جديدة: بوينت أورموند لوك أوت هيل التي يمكن الوصول إليها بواسطة الترام، والتي تتمتع بإطلالة لا مثيل لها على مشاهد رائعة. لكن فهد ينصحك بفعل هذا في موعد غروب الشمس. أما ميناء دوكلاندز ذو الطابع المعاصر، فتوجه إليه في أي وقت لإلقاء نظرة على جسر بولتي المدهش. وتابع جولتك لتصل إلى بريسغريف بليس، إذ يصفها المصور السعودي بأنها معرض عضوي يقام في الهواء الطلق ويقدم "الفن المحلي الرائع الذي لا يعرفه الكثيرون". ومن هذا المكان يدعوك الأخير للانتقال إلى شارع هوزير لين الذي يُشتهر بجدرانه المغطاة برسوم الغرافيتي، ثم إلى مبنى البرلمان (1929) الذي يمكن وصفه بالعجيبة المعمارية.


ولتنهي رحلتك بطريقة مميزة، لا بد لك من زيارة حدائق فيتزروي التي تصل مساحتها إلى 26 هكتاراً، ومعهدها الموسيقي الذي يقع على مقربة من منطقة الأعمال المركزية. وهنا، يمكنك الاسترخاء فعلاً، التقاط أنفاسك، واستعادة المناظر المذهلة التي شاهدتها خلال جولتك.


تصوير: أحمد سمير الدباغ