لحياة أفضل!

لحياة أفضل!

من التقاليد العلاجية القديمة، إلى طرق الرفاهية الأكثر حداثة، فلنلقِ نظرة على تطور أساليب العناية الصحية في المملكة
27 مارس 24
Share

من عالم لولوليمون الرياضي، إلى مراكز اللياقة البدنية، ومن جلسات اليوغا ذات التقينات المدروسة، إلى هدوء المنتجعات الصحية التام،... يشمل مفهوم العافية والرفاهية مجموعة واسعة من الأدوات، الطقوس، الممارسات، والوجهات. لكن لا يمكننا الحديث عنه من دون العودة إلى أصوله، وإلى جذوره التاريخية التي ترتبط بعادات وتقاليد اتبعتها الأجيال عبر العصور. فكل ما نفعله اليوم في هذا السياق يرتبط إلى حد كبير بممارسات قديمة جداً تستند على قواعد لا يمحوها مرور الزمن. ولا بد لنا من التذكير بأن المملكة العربية السعودية تشهد، في زمن التحول الكبير، تنامياً متزايداً لأعداد مراكز اللياقة البدنية ذات الطابع الحديث، وللوسائل والمفاهيم المتبعة في عالم العلاجات الصحية. فهي تحاكي بذلك الاتجاهات العصرية من جهة، وتراعي تاريخها الحافل بأساليب كانت تستخدم قديماً لشفاء الجسد والروح من جهة أخرى.

تقاليد عريقة

سبا هابيتاس العلا

قبل ظهور الإسلام، وبعد انتشاره (وهو دين يعرف باهتمامه بتغذية الروح والجسد والذهن في آن)، عرفت منطقتنا كثيراً من وسائل العناية الطبية والصحية. وشملت هذه الوسائل مجموعة كبيرة من العلاجات المتنوعة التي راوحت بين الحجامة والعلاج بالأعشاب.

ويُعرف العلاج بالأعشاب باسم العطارة، وهو يقوم على استخدام الأعشاب الطبيعية لأغراض طبية، ويعتبر من الممارسات العلاجية الرائجة في المملكة العربية السعودية والتي تعود بأصولها إلى عصور قديمة. واليوم، كما في الماضي، تُشتهر كل منطقة بأساليب يستخدمها عدد من معالجيها. ففي جدة مثلاً يستخدم هؤلاء الأعشاب المستوردة من الهند، وأحياناً من سوريا ومصر. وبالحديث عن العلاج بالأعشاب في المملكة، يمكننا أن نذكر أيضاً تلك الأكاليل التي يضعها على رؤوسهم "رجال الزهور"، أي أبناء قبيلة القحطاني الجنوبية الذين يستخدمون بعض تركيبات الأعشاب لعلاج عدد من الآلام مثل الصداع.   

وتشمل قائمة العلاجات الطبيعية أيضاً الحجامة، وهي طريقة علاجية استخدمت لقرون عدة من أجل تخفيف آلام الجسم والمساعدة على الاسترخاء. ويعود هذا العلاج بأصوله إلى مصر القديمة والصين، كما أنه يرتبط ببعض الطرق العلاجية التي اعتمدها اليونانيون القدماء لاحقاً. وقد انتشرت الحجامة، مع مرور الزمن، في مختلف بلدان العالم، ومنها السعودية. وفي هذا السياق، يقال إن النبي محمد (ص) دعا إلى الاعتماد عليها كوسيلة للشفاء. لذا، ما زال استخدامها شائعاً حتى يومنا هذا، وقد اعترف بها المركز الوطني للطب التكميلي والبديل في السعودية (الذي تم تأسيسه في العام 2008) كممارسة علاجية معتمدة في المملكة.

وقد ترتسم على وجوه بعضنا علامة تعجب متى علمنا أنه تم إدراج فن الحناء على قائمة الممارسات العلاجية. فإذا قرأنا بعض الكتب التاريخية، سنعلم أنه تم استخدام الحناء في العصر الفرعوني في مصر القديمة، منذ نحو 9000 عام. ونحن نعرف تماماً أنه يستخدم في السعودية لأغراض جمالية وكجزء من التقليد المحلي. لكن يبدو أن هذه المادة الطبيعية عرفت في المنطقة، منذ قرون، بفوائدها الطبية الكثيرة أيضاً. فهي تحتوي على مضادات للبكتيريا والفطريات، كما أنها تتسم بتأثير قابض ومبرّد.   

تطور العلاجات الصحية

شهد تاريخنا الحديث تقدماً ملحوظاً في مجال العناية الصحية، إذ تم لهذه الغاية ابتكار طرق متطورة تعكس الاتجاهات العالمية وترتبط بنمط الحياة المعاصر. وفي هذا الإطار تقول مؤسسة سبا لافندر، أبرار محمد سعد، إن حقبة السبعينات والثمانينات مثلاً شهدت طفرة في عالم "صالونات العناية بالجمال"، في دائرة خاصة جداً في السعودية. فقد كانت النساء يستقبلن الخبيرات في منازلهن للحصول على مختلف طرق العناية الصحية والجمالية. وبالطبع، مهد هذا الطريق لظهور أشكال عناية أخرى أكثر حداثة.

في سنوات التسعينات، أصبحت طرق العناية بالجمال والصحة أكثر انتماء إلى عالم الأعمال. لذا، لم يكن مستغرباً أن تشهد المدن السعودية الكبرى، مع حلول الألفية الثالثة، نمواً متزايداً في أعداد مراكز العناية بالجمال التي تقدم خدمات متنوعة مثل السبا والتدليك. لكن هذا لم يمنع بعض المؤسسات المحلية من الحفاظ على إرث العلاجات الطبيعية، ومنها سبا أناة (معنى الإسم:  الرفق، الحلم، اللين).

وتقول مالكته نجلاء القحطاني: "في أناة نقدم تجارب عناية تعتمد على المكونات الطبيعية. فقد شكلت هذه المكونات، عبر التاريخ، جزءًا لا يتجزأ من برامج العلاجات الصحية، وهو ما نتمسك به اليوم. فنحن نركز على الحالة الشعورية والمعنوية، لذا، يغادر زبائننا المكان وهم يشعرون بالتحسن والتجدد".

سبا أناة

وإلى جانب مراكز العناية والتجميل، ينتشر عدد كبير من نوادي التمرين واستديوهات اللياقة البدنية في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية. ويبدو أن استديوهات اليوغا باتت تجذب عدداً متزايداً من المهتمين، إذ يتم التركيز فيها على تغذية الذهن، الجسم والروح في آن.

وفي هذا السياق، تشير شهد ناظر، مالكة استديو ذا يوغا سبيس، إلى أن جاذبية هذه الأماكن ترتبط إلى حد كبير بما توفره من خدمات للباحثين عن الصمت، السكون، كما عن البساطة التي عاشها أسلافنا. وتضيف: "إنه ذلك التواصل النقي مع أنفسنا، البعيد عن كل ما يمكن أن يشتت الانتباه".

العلاجات على الخريطة

تفخر المملكة العربية السعودية اليوم بأنها باتت تحتضن عالماً من المنتجعات، النوادي الرياضية، استديوهات اللياقة البدنية، ومتاجر المأكولات الصحية، وحتى مواقع السياحة العلاجية التي تنتشر في وجهات مثل العلا، ساحل البحر الأحمر، والمدن السعودية الكبرى. وفي هذه المساحات الخاصة، يتم التركيز على ما يعرف بالديتوكس الرقمي (الابتعاد عن كل أجهزة ووسائل التواصل)، واستعادة التواصل مع الطبيعة، أو على استخدام التكنولوجيا المتطورة التي تلبي تطلعات كل الباحثين عن علاجات صحية عالية المستوى.

وعلى خريطة العلاجات السعودية أيضاً تقع ملاذات مثل سبا ثريا، وهو مركز تم إنشاؤه في منتجع هابيتاس في العلا. وهنا، يتم تقديم أساليب العناية الشخصية وسط مناظر المنطقة الطبيعية الرائعة، إضافة إلى نكهات المطبخ المحلي والعديد من التجارب الثقافية. كما تشمل هذه الخريطة أماكن فاخرة مثل سيكس سينسز ساوثرن ديونز، ومنتجعات البحر الأحمر حيث يتم استخدام تقنيات العلاج الحديثة، من فحوصات المؤشرات الحيوية، إلى أدوات تخفيف التوتر وغيرها من الوسائل التي تشكل جزءًا من برامج صحية مدروسة.

سبا سيكس سينسز ساوثرن ديونز

كذلك لا بد من الإشارة إلى وجهات أخرى تنتشر في مختلف أنحاء المملكة، ومنها الينابيع الطبيعية الغنية بالمعادن في الأحساء والتي يمكن أن توفر العديد من الفوائد العلاجية. ويعني كل هذا أن الطبيعة تشكل جزءًا لا يتجزأ من وسائل العناية والعلاج التي تلجأ إليها هذه المرافق، سواء تم إنشاؤها وسط المشاهد الصحراوية المذهلة أو على طول الخط الساحلي.

 وهذا ما توضحه غالية المدني، الخبيرة في مجال العناية الصحية ومدربة ومعلمة اليوغا المسجلة، والمستشارة في مجال السياحة العلاجية التي صممت بعض الاستراتيجيات العلاجية الحكومية في السعودية، بقولها: "يساعدنا الاتصال بالطبيعة على بلوغ مرحلة الشفاء وعلى التواصل أكثر مع ذواتنا".

ويشار إلى أن المدني تتعاون حالياً مع أكثر من 50 منتجعاً ومركزاً علاجياً في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية. وقد بدأت رحلتها من عالم اليوغا ومن خلال ممارستها تمارين التنفس منذ ثماني سنوات. وحينها حرصت على دراسة كل أشكال العناية الصحية. وبالحديث عن عملها تقول: "لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة مهمة، وهي أن الطب يهدف إلى تحسين نوعية حياتنا. وعلينا الانتباه إلى أن كثيراً من الأدوية التي يصفها الأطباء اليوم تُصنع من مكونات طبيعية مثل النباتات. ورغم التقدم الصيدلاني والتكنولوجي، ما زلنا نعترف بأهمية العلاجات القديمة مثل الحجامة والوخز بالإبر".

مهرجان العلا للاستجمام والاسترخاء

وإلى جانب إنشاء المنتجعات ومراكز العلاجات الصحية، خطت العلا خطوة كبيرة إلى الأمام، من خلال تنظيم بعض الفعاليات الخاصة. ونذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، مهرجان العلا للاستجمام والاسترخاء. فهو يقام وسط المناظر الطبيعية الخلابة ويقدم لرواده فرصة لتجديد النشاط والعناية بسكون العقل، وصفاء الروح، وصحة الجسد. كما أنه يوفر تجارب علاجية غير عادية، مثل العناية ببيئة الحدائق ودورات الطهو بالاعتماد على مكونات عضوية. وتحتضن العلا أيضاً فايف سنسِس سانكشواري، وهو حدث يضم العديد من النشاطات، مثل دورات العافية، جلسات النقاش، وورش العمل التي تهدف إلى تحفيز الحواس الخمس.

ومن خلال عملها كأمينة ومديرة إبداعية لفايف سنسِس سانكشواري لمدة عامين، تمكنت المدني من التوصل إلى هذه الخلاصة: "يوفر الاقتراب من الطبيعة في السعودية، واكتشاف كيفية حفاظها على جمالها، فرصاً هائلة للشفاء، كما أنه يشكل مصدر إلهام يتيح تحديد الأولويات على مستوى العناية الصحية".

الرفاهية... طريقة حياة

يهتم السعوديون إلى حد كبير بالعلاجات الصحية، لذا تحرص المملكة على بذل الجهود الآيلة إلى تطوير قطاع العافية والرفاهية. وقد أطلقت، لهذه الغاية، مشاريع طموحة مثل منتجع أمالا الفاخر الذي تم إنشاؤه على الساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر. وهو يشكل جزءًا من مشروع تربل باي أو الخلجان الثلاثة، وسيضم مرافق طبية وعلاجات محلية المصدر. ويهدف هذا المشروع، إلى جانب مشاريع أخرى تنفذ في العلا، إلى تعزيز موقع المملكة كوجهةٍ للسياحة العلاجية على الخريطة العالمية.

ولا بد لنا من الإشارة إلى أن الجهود التي تبذل في هذا السياق في السعودية لا تقتصر على تطبيق العلاجات القديمة، وبناء المنتجعات الحديثة والمراكز العلاجية، وإقامة المهرجانات. فالمملكة تقوم أيضاً بخطوات مهمة جداً تهدف إلى تحويل مدنها إلى مساحات تساعد على تعزيز صحة الروح والجسد، من خلال توفير أساليب عيش عالية الجودة. ونذكر كمثال إطلاق الهيئة الملكية لمدينة الرياض عدداً من المشاريع الكبرى، مثل مشروع الرياض الخضراء، المسار الرياضي، وحديقة الملك سلمان، التي توصف بأنها أكبر حدائق المدن في العالم، وغير هذا الكثير.  

إذاً تمتد خريطة العلاجات من الطرق القديمة والتقليدية إلى الوسائل الأكثر حداثة. وتُظهر رحلة العافية في المملكة الوجهين معاً، فهي تواصل بذل الجهود الرامية إلى تحويل طرق العناية الصحية إلى أسلوب حياة، من خلال إطلاق مبادرات وإنشاء مساحات تساهم في الحفاظ على الممارسات العلاجية الطبيعية. كما أنها تؤكد التزامها التام بتأمين الرفاهية الشاملة للمقيمين والزوار على حد سواء. لذا، فهي تحرص على إعادة تشكيل المشهد الطبيعي في البلاد من أجل تعزيز صحة هؤلاء البدنية والذهنية والروحية.