سعد طحيطح ورسالة حب وثائقية إلى الديار

سعد طحيطح ورسالة حب وثائقية إلى الديار

من عسير، موطن ولادته إلى الشاشة الكبيرة، يصحبنا المخرج وصانع الأفلام السعودي، سعد طحيطح، في رحلة نكتشف خلالها المساحة المشتركة بين السينما والمكان
02 أبريل 24
Share

"بصراحة تامة، يمكنني القول إنني وجدت ضالّتي في الأفلام الوثائقية. فقد أردت من خلالها تصوير واقع الحياة، مع حرصي على التعبير عنه بطريقة شاعرية. في الحقيقة، لا يتوق الناس إلى مشاهدة فيلم فقط، بل إلى عيشه أيضاً". بهذه الكلمات يختصر المخرج الشهير سعد طحيطح رحلته التي انطلقت من عالم التصوير الفوتوغرافي في العام 2012 قبل أن تنعطف إلى صناعة الأفلام في العام 2016. وعند مراجعة أعماله، يتبين أن هذا المبدع يستمد إلهامه من أحداث تجري في محيطه. فهو يسعى دائماً إلى التوثيق وإن تطلب هذا كثيراً من الوقت والجهد. وفي هذا السياق، ينقل طحيطح كثيراً من روايات عسير، ويغوص إلى أعماقها التاريخية، الثقافية والإنسانية.

مساحة آمنة  

يرافقنا سعد إلى حيث بدأت حكايته، أي إلى محافظة النماص، مسقط رأسه. وعنها يقول: "ساهمت النماص في تشكيلي كشخص وصانع أفلام. وقد ظهر أثرها في أفلامي التي ترتبط إلى حد كبير بمفاهيم السكينة، السلام والهدوء".   

بالفعل، عاد المخرج إلى مكان نشأته بعدما أمضى عاماً ونصفاً في الرياض. فقد أراد الابتعاد عن صخب المدينة والخلود إلى الراحة في أحضان موطنه: "النماص هي مساحتي الآمنة. وأحب العودة إليها والاسترخاء في ربوعها، وأراها من زاوية مختلفة في كل مرة".

وإذ نقوم بجولة في مكان طفولته، نلاحظ بوضوح أنه يولّد في نفسه شعوراً بالحنين، بالاشتياق إلى البساطة: "في زمن طفولتنا اعتدنا أن نلعب كرة القدم يومياً، في فترة ما بعد الظهر، في الوادي، على مقربة من منزلي. ومنذ 10 سنوات تقريباً لم يركل أحد الكرة في هذا الملعب". 

ويصف سعد في أبها التي تتميز بمناخ معتدل على مدار العام، بالقرية الكبيرة. ويشير إلى أنه مكث فيها أثناء متابعته دراسته الجامعية، وإلى أن أسرته ما زالت تقيم هناك: "تشغل أبها مكانة خاصة في قلبي. لذا اتجهت إلى إخراج الأفلام، فهذا يتيح لي التعبير عما أشعر به تجاهها، إنه حب بلا حدود".

وخلال جولتنا هذه كان لا بد لنا من التوجه برفقته إلى قرية رجال ألمع. وعنها يقول المبدع السعودي: "هي قرية عزيزة تقع في منطقة عسير، ومكان حافل بالتاريخ والثقافة. وتعتبر رجال ألمع إحدى أقدم القرى في المنطقة. كما أنها تعدّ اليوم وجهة سياحية فريدة". ونواصل رحلتنا في اتجاه قرية المخض الأثرية حيث قام سعد بتصوير أحد أفلامه منذ ثلاث سنوات: "تجذبني هذه الوجهة لأنها ما زالت تحافظ على أصالتها، ما يظهر بوضوح من خلال منازلها وأزقتها. وهي تحتضن أحد أقدم المساجد في عسير، إذ يعود تاريخ بنائه إلى العام 70 للهجرة". ورغم أنه لا يقيم في المخض، يشعر المخرج دائماً بالارتباط بالقرية، وبموقعها المثالي في قلب واد خلاب وسط الجبال".

مشاهد آسرة

في العام 2016، وأثناء قيامه بنزهة برفقة والده في الجبال الضبابية القريبة من النماص، استوقف سعد مشهد ساحر مطل على وادي قنطان الهادئ في تنومة. أسره المنظر، فدعا والده إلى التوقف ريثما يتمكن من التقاط اللحظة المذهلة.

حينها لم يخيّل إليه أن هذه اللقطة ستكتسب الشهرة في أوساط سكان الجنوب وكل أنحاء منطقة عسير: "آمن والدي بموهبتي في مجال التصوير الفوتوغرافي، ما شكل عاملاً مفصلياً في مسيرتي"، يقول سعد منوّهاً بالأثر العميق الذي أحدثته تلك الصورة في رحلته كصانع أفلام.

وهكذا بدا فيلمه الأول، "يوم في قريتي"، أشبه برسالة وداع مؤثرة وجهها إلى مسقط رأسه، إذ كان يستعد لمغادرته بعد إنهائه دراسته الثانوية. وإذ يتذكر تلك الحقبة يقول: "كان عليّ الانتقال إلى مدينة أبها. وكان الفيلم رسالة وداع مؤثرة لقريتي. فقد أردت من خلاله توثيق كل التفاصيل المرتبطة بها، من الصباحات الباكرة إلى فترات ما بعد الظهر المشمسة، فالمساءات الهادئة الرائعة".

وبالفعل، ركّز المخرج في عمله هذا على التفاصيل الدقيقة، إذ التقط صوراً لوالدته، والده، أقربائه، للحياة في القرية، لمباريات كرة القدم، للصلوات في المسجد، ولرحلات المشي في الجبال عند غروب الشمس. ووثّق كل ذلك ليتمكن من مراجعة ذكريات موطنه كلما ابتعد عنه.

ورغم استخدامه معدات بسيطة وعدم اكتمال مهاراته في مجال صناعة الأفلام حينها، إلا أنه استطاع المضي قدماً معتمداً على شغفه وتفانيه في العمل. وفي 2019 عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان أفلام السعودية. لم يكن هذا متوقعاً إلا أنه شكل شهادة على موهبة المخرج ولحظة انتصار احتفلت بها عائلته.

وعن تلك البداية يقول: "يأتي الدعم الذي أتلقاه من أفراد عائلتي على رأس قائمة العوامل المساهمة في نجاحي. فحين حضرت والدتي عرض الفيلم، قام 200 شخص بالتصفيق، فشعرتْ بفخر شديد بما قدمتُه". ومنذ ذلك الحين تظهر الأم كثيراً من الحماس تجاه أي مشروع يقوم بتنفيذه.

 ويواصل سعد تصوير أفلام وثائقية مثيرة للاهتمام، ومنها مثلاً "تخليد: فن القط العسيري" الذي كرّم حرفيين حافظوا على تراث هذا الفن، والذي تم عرضه على شاشة مهرجان أفلام السعودية. وهو يشارك هذا العام في المهرجان نفسه (2-9 مايو) من خلال عملين وثائقيين تم تصويرهما في الباحة وأبها.

قوة العاطفة

لدى سؤاله عن الأسلوب الذي يعتمده في صناعة الأفلام يقول سعد: "بغض النظر عن المعدات التي تستخدمها وعن مدى تقدمك على المستوى الإبداعي، أرى أن صناعة الأفلام تستند بشكل أساسي على الحب، العاطفة، والإخراج الإبداعي". وإذ يركز على أهمية العاطفة وقوة تأثيرها، يضيف: "ما زلت قيد التطور. فقد بدأت مسيرتي مستخدماً هاتفي، إلا أن شغفي واكبني منذ اليوم الأول وسيرافقني حتى النهاية. فإذا كنت تمتلك شغفاً مماثلاً، اعلم أن الأمور ستسير بالطريقة الأفضل".

ويثني سعد طحيطح على ازدهار المشهد السينمائي في المملكة، مشيراً إلى المفاجآت التي يشهدها عالم صناعة الأفلام كل عام. فهو يرى أن مشاهدة الأفلام، العروض الأولى والمهرجانات كانت في السابق ضرباً من الخيال وأصبحت اليوم قاعدة معتمدة. كما يعبر المخرج عن فرحه بالتواصل مجدداً مع خبراء هذه الصناعة ومع أصدقاء الماضي: "أفخر بكل أصدقائي. لا أتمنى لهم سوى النجاح وآمل أن نصبح جميعاً قادة في مجال هذه الصناعة". 


قاد سعد طحيطح، في منطقة عسير، سيارة لكزس RX مقدمة من شركة عبد اللطيف جميل للسيارات (لكزس).

تصوير: أسامة جبرتي