جايبور: قصورُ الجَمَال، وعجائبُ التصميم والألوان

جايبور: قصورُ الجَمَال، وعجائبُ التصميم والألوان

16 أبريل 23
Share

يَحِقُّ للمدينةِ الوَرديةِ، أنْ تَدعو مُحبِّي السفر، وعُشّاقَ التّرحال، إلى زيارتها، والتَّجوَالِ فيها، لكثيرٍ من الأسباب؛ من قصورِ الإقامة الفخمة فيها إلى الحدائقِ، فَالمَعارضِ، والنكهات المتنوعة... كلّ الجمال يتحقّقُ فيها، إنها: جايبور الهندية!   

ربّما تَشتهر "جايبور" بواجهةِ "قَصر الرياح"، أو "هوا محلّ"، التي تُشبِه بعمارتها قرصَ عسل النحل، وبِالأزقّة الصاخبة النابضة بالحياة خلفَ أسوارها. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الأسلوب الفندقيّ المعتمدَ فيها هو أبرزُ السّمات المميّزة لها. وتبدأ الرحلة هنا من فنادقِ القصور الفخمة المُوغلة في التاريخ الملكيّ، ولا تنتهي بالإقامة الدافئة في منازل الضيافة، أو بأجواء الفيلات التراثية. وهكذا يُمكن القول: إنّ أيّ مدينة أخرى في الهند؛ لا تُتقن الفنّ الفندقيّ كما هي حال "جايبور".

أمّا إذا أردنا التحدّث حقًّا عن تفوُّق المدينة في عالم أمكنةِ الإقامة الخاصة، حيث يلتقي الإرثُ والثقافةُ، مع الذوقِ الراجستانيِّ الأصيل؛ فلا بد مِنْ أن نقدّم هذه الفنادقَ الخمسة التي يجتمع فيها التاريخ والحداثة والبراعة، وتُعَدّ مِن أكثر الأماكن جاذبيةً، وحيث يمكِنك أن تَحجِزَ مِساحة لإقامةٍ رائعة أثناءَ زيارتِك المقبلةِ للمدينة الوردية.

الجواهر الكبرى

سحر التراث: Alsisar Haveli

يبدو عُبورُ بوابة Alsisar Haveli، أَشْبَهَ بالانتقال من زمنٍ إلى آخَر، فقد بُنِيَ هذا الصَّرح في عام 1892م، على أنه مكانُ إقامةٍ خاصٌّ، ورُغم التحوّلات الكبرى التي أُجريَتْ في محيطه؛ إلا أنه ما زال Haveli متجذِّرًا في الماضي، مُلتصِقًا به، من خلال هندسَته المِعمارية التي تُذَكِّرُ بِحِقبة "راجبوتانا" الكلاسيكية.

تُحِيط بحَوض السباحة فيه نهارًا؛ أَسِرّةٌ وُضِعتْ تحت قِبابٍ مُزخرفة، وتَظهرُ النوافذ المُزيَّنة بإطارات خشبية ذاتِ نقوش خاصّة، أمّا الغُرَف فتتميَّزُ بلَوحاتٍ جِداريّة ملوّنة، وزخارفَ من الزجاج متعدِّدِ الألوان أيضًا، بينما تُضْفي المَرايا الإشراقَ على Sheesh Mahal، (القاعةُ المرحِّبة دائمًا بالزائرين).

وما يَلفِتُ الأنظارَ أيضًا هو: مَوقع Alsisar Haveli المَركزيُّ في جايبور، ويقعُ على مسافة قريبةٍ مِن المَعالم الرئيسية في المدينة الوردية - ومنها: "هوا محل، قصر المدينة، قلعة العنبر"-، لكني أذكِّر الزائرَ هنا بأنْ يُخصِّصَ بضعَ ساعاتٍ للهروب في "مَتاهة المَمرات الضيّقة" هناك.    

بريق الأناقة: Rajmahal Palace Raas

شُيّد قصرُ Rajmahal في عام 1729م، وتمّ تجديدُه وَفقًا لمفهومٍ مُستوحًى مِن "الآرت ديكو" (الفنّ الزّخرفيّ)، في القرن العشرين، مَا حَوّله إلى مَسْكنٍ مُنِيفٍ رائعٍ للثنائيّ الملَكيّ "المهراجا ساواي مان سينغ الثاني"، و"مهاراني غاياتري ديفي".

وفي عام 2015م؛ أُعِيد تجديدُ هذا المكان، ممّا أَضفى عليه مَظهرًا جديدًا نابضًا بالحياة، وطابعًا دراماتيكيًّا، برَز مِن خلال خياراتِ وَرقِ الجدران الجريئة. وفي القصرِ: قاعةُ طعامِ يَطغى عليها لونُ الفوشيا، ورسومُ فوانيا تمتدّ على جدرانِ جناحِ مهاراني، ونقوشُ طيورٍ تُزَيِّنُ مَمَرَّ Chinoiserie .

ويبدو القصرُ للداخل إليه أشْبَهَ بقصيدةٍ رائعةٍ، تتغنّى بجَمالياتِ الهند المعاصرة، تَفْرِضُ المِساحاتُ الخارجيةُ حضورَها من خلال الحدائق المُورِقةِ، والمَسْبَحِ الوَرديّ الذي تَمّ تصميمُه وَفقًا لأسلوبِ (الآرت ديكو).. إنّه مكانٌ هادئٌ بالفعل.

وإنْ أردتَ التأكُّدَ مِن أنّ هذا المكانَ الفخمَ يُناسِبُ عائلة ملَكية معاصرة؛ فاعلمْ أنّ "المهراجا بادمانابه سينغ" - سليلُ عائلة جايبور، الذي يبلُغ الـ 25 مِن عُمره -؛ يَحتفظ بمِساحته الأنيقة كشابٍّ عازِبٍ يعيش فيه!.

البوتيك الرائع

ملاذ ملوّن:  28 Kothi

إذا كنتَ من أصحابِ الذوق الخاصّ، وتبحثُ عن مكانِ إقامةٍ مناسبٍ لك؛ فأين يُمكِنك الإقامة؟ سؤالٌ سيُراوِدُك حتمًا وأنت تتجوّلُ في هذه المدينة الفريدة.. لذا؛ إليك هذه الفيلا العجيبة بألوانها، وتنسيقاتها، وتصميمِها..

في عام 2016م؛ أُسِّس هذا المكانُ الهادئ، في ساحة الضيافة، في جايبور المفعمة بالنشاط والفخامة. المكانُ عبارة عن فيلا أنيقة، تضمُّ خمسَ غُرَف، وتقع بعيدًا في حَيٍّ سكنيٍّ. وهي تتكلم لغةَ "هُويّةِ راجستان الحديثة": كثيرٌ من الألوان، سِماتٌ مميَّزة وخاصّة، وحداثة".

هنا؛ قد تعتقد - لبُرهة من الزمن -: أنّك تُقِيم في منزلِ صديق لك. هذا ما حَرِصتْ عليه مُصمِّمةُ المكان، اللّبنانية "نور قاوقجي"، التي تُعرف بعلامتها: Ecru؛ فقد أحْدثت تغييرًا في منزلها الخاصّ، مُستخدمةً في التصاميمِ الداخلية: ألوانَ الباستيل، ولمساتٍ محليّةً في صورةِ ألواحٍ مُزَيَّنة بالطبعات، ولوحاتٍ جداريةً رُسِمت يدويّا.

من أجل ذلك؛ ننصَحك بأن تقضيَ بعضَ الوقت في حديقة المكان الهادئة، برِفقة كتاب. ولا تنسَ - أبدًا -: أنْ تتناولَ وجبةً في Café Kothi، وهو مطعم صغير متخصِّص بتقديم الأطباق النباتية. (اُطلبْ - مثلًا -: جذر الشمندر تيكي شات، وبرياني الكينوا). 

ثمين ومذهل: The Johri

كيف يُفتتَح فندقٌ جديدٌ في مدينة تمتلك كلَّ شيء؟!

يُمكن أن يَحدثَ هذا في الواقع، مع إضافةِ لَمْسةٍ طازجةٍ مميّزة إلى المائدة!

هذا ما تمَكّن The Johri مِن إنجازه منذ أنْ فتَح أبوابه في عام 2020م؛ حيث لاحَظَ أنّ مُعظم زائري "المدينة الوردية" لا يختارون الإقامة داخلَ أسوار المنطقة التاريخية، فقد تَغيّر كلّ هذا مع رغبة المسافرين في حجز أماكنَ لهم في هذا المكان، الذي يضمّ خمسَ غُرَف، وكان منزلًا لتاجرٍ من القرن التاسعَ عشر، هناك في Bazaar Johri في جايبور، أو سوق المجوهرات.

واستوحى Johri اسمَ كلّ غرفة وتصميمها، مِن حَجَر نفيس، أو مَعدِنٍ مختلف: Manek، أو الياقوت، Sona، أو الذهبيّ، على سبيل المثال.

وإلى جانب التاريخ الذي يتغلغلُ في أساسات المكان، وفي خطوط المَمرّات المحيطة به؛ فإنّ تصميم The Johri الداخليَّ؛ يَجمع كثيرًا من تفاصيل العالَم القديم: (المرايا المُزيَّنة بإطارٍ من عِظام الإبل، ولوحاتُ Pichwai التقليدية)، ولمساتٍ من القرن الـ 21، (مثل: الأعمدة التي تَظهر عليها النقوشُ بأسلوب chevron).

يمكن القول: إنّ Johri هو العُنوان المثاليّ في "جايبور"، لكلّ من يبحثُ عن مكان إقامةٍ أنيقٍ، وبعيدٍ عن ضجيج الأحداث.

ثورة حمراء: Villa Palladio

حين نتحدّث عن Villa Palladio؛ فلا بدّ مِن أنْ نأتي على ذِكر البِيئة الريفية المحيطة بها؛ هناك في القرية التي تقع على مشارف "جايبور". فهذا المكان قد يبدو هادئًا إلى حدّ كبير للوهلة الأولى، لكنّ هذا الوصفَ لا ينطبقُ إطلاقًا على تصميم هذه الواحة التي تضُمُّ تِسعَ غُرف.

فالمَالِكة: باربرا ميلوليني، وهي مالكةُ مطعمٍ سويسريّ إيطاليّ، والعقلُ الإبداعيّ المدبِّر لـ Bar Palladio، بلونه الفيروزيّ، وCaffé Palladio، بألوانه التي يَطغى عليها الباستيل. لقد اختارتْ درجاتٍ قُرمزيّة جريئة لافتتاح فندقها هذا. والنتيجة؟ مَشهد قُرمزيّ: جدرانٌ حمراءُ، مع تفاصيلَ رُسِمت باليد، خِيَمٌ حمراءُ فوق الأسِرّة، وأرضيّاتٌ رُصفت برخام باللونين الأبيض والأحمر. ونضيف إلى ذلك: الأَسِرّة النهارية، ذاتَ الخِيَم الحمراءِ المزخرفة بالأبيض، وحوضَ السباحة المُحاطَ بكراسيّ استرخاء مخططة، تمامًا كالحلوى، باللونين الأحمر والأبيض. وتجتمع هذه العناصر معًا لتؤلّف لوحةً جميلة، ولِتجعلَ المدينة الوردية تتحدّث بالأحمر.

إلى أين ستتجه؟ 

يلتقي القديمُ والجديد بأكثرِ الطرُق إبهارًا، في أحد أكثرِ الأماكن الفنية في العالم روعةً. فقد تمّ تحويلُ قصرِ Madhavendra القديم، في قلعة Nahargarh التي يَعود بناؤها إلى القرن التاسعَ عشر، إلى جانب أعمالٍ فنية معاصرة، تُعرَض في حديقة النحت، إلى مساحةِ عَرض في الهواء الطلق. وفي كل أنحاء ساحة القصر، ذاتِ اللون البنيّ الداكن، وتحت الأقواس المَطليّة بعناية؛ يُمكن للزائرين: استكشافُ مجموعةٍ متنوّعة من التركيبات الفنية الموقَّعة من فنانين، من أمثال الهنديّ: Martand Khosla، والبرتغاليّ: Rui Chafes، والبرازيلية: ديزي كزافييه.       

البريق: باتت مِنطقة ملكيةٌ - مثل راجستان، يَعني: باللّغة السنسكريتية: "أرض الملوك" -، باتت تُعرَف بتقاليدها الخاصة في عالم المجوهرات، فقِلّة من العلامات التجارية يُمكِنها منافسةُ إرث Gem Palace، وهو المتجر الذي تُديره: عائلة Kasliwal على امتدادِ تسعةِ أجيال، مع الحفاظ على تاريخ عريقٍ، بدأ حِين وَصل بعضُ أفرادها إلى "جايبور"، للعمل كصائغِي مجوهرات لدى المِهراجا في القرن الـ 18. وقام أبناءُ العمومة البارعون، الذين يُديرون Gem Palace اليوم؛ بنَقْلِه إلى القرن الـ 21، من خلال صياغةِ الحُليّ الحديثة، التي تنطوي تصاميمُها على لَمساتٍ من التقليد والتراث، الذي يَعرضونه على زبائنهم في مَعقِلهم الرائد في جايبور.

لذا؛ ننصحك بالتوَقُّف هناك لتتصفّح تجربةً امتدّت إلى عقود من الزمن، وأَثمرتْ كثيرًا من العقود، والأقراط، وإكسسوارات الرأس؛  فقد تعود إلى منزلك وفي حقيبتك هدية ثمينة، أو اثنتان.  

المنسوجات: يُعتبر اسم "جايبور"، مُرادفًا للطباعة بواسطة قوالبِ النقوش الخشبية، وهي طريقة تعودُ إلى قرون مَضت، ويَستخدِمُها الحِرَفيّون، حيث يقومون بطباعة الأشكال على القُماش بأدواتٍ مصنوعةٍ من خشب شيشام.

لذلك؛ قُمْ بجولة في المَتجر الرئيسيّ في Anokhi، بجايبور، الذي تنتشرُ نِقاطُ بيعٍ تابعةٌ له في كل أنحاء البلاد. وهناك يُمكنك التقاط البياضات، والقفاطين، والحقائب، وغيرها. أمّا إذا أثارتْ جولةُ التسوق هذه، فُضولَك بشأن العالَم الحِرَفيّ؛ فلا تترَدّدْ في زيارة متحف Anokhi للطباعة اليدوية، وهو يشكّل احتفاءً مميّزًا بهذا التقليد، في أحد صروح "راجبوت"، الذي تمّ ترميمُه في القرن الـ 16.

الشاي: من السهل الاستمتاعُ بجلسةٍ لتناول الشاي في أيّ مكان من جايبور. لكنْ إذا أردتَ تجربة هذا التقليد بطريقة جديدة؛ فليس عليك سوى التوَجّه إلى Tapri، "بيت الشاي"، الذي يَقصِدُه سكّان جايبور الشباب. وبالطبع، ستجد هناك عديدًا من الأصناف؛ مثل: شاي ماسالا، كاتنج شاي، القهوة الكشميرية، الشاي بالأعشاب مع الأشواغاندا، شاي عشبة الليمون والنعناع، الشايِ المثلَّج، إلى جانب: الرِّدْ بول (للحصول على مزيد من الكافيين). كذلك لا بدّ مِن أنْ تثيرَ اهتمامَك: قائمةُ الطعام النباتية، مع أطباق مثل: التوفو بهرجي، طبق السمبوسك الذي يحتوي على ثلاث قطع، ونودلز ماجي، مع جبنة بارميزان الوبيستو.