التراث أولاً

التراث أولاً

لا يمكن تعريف تراثيات المملكة بأنه متجر للتحف فقط، فهو يشكل جزءًا من تاريخ السعودية، ومحطة تقدم لزوارها قطعاً ثمينة من التراث، الثقافة، والحنين أيضاً
27 فبراير 24
Azzledin Aliyan, Kingdom Heritage
Share

لا يمكنك زيارة الرياض من دون التوجه إلى متجر تراثيات المملكة للتحف والهدايا التذكارية الذي يشكل شهادة على تاريخ السعودية وأحد معالمها الثقافية. وفور وصولك إليه، لا بدّ من أن تقف لبعض الوقت أمام تمثاليّ الجملين العملاقين اللذين نُصبا على جانبي الباب الرئيسي. أما في الداخل، فستشعر بالدهشة وسط إبداعات مصممه عز الدين عليان. وستلاحظ أن الأخير يستعيد فصولاً من زمن مضى من خلال تصميمه نسخاً طبق الأصل من قطع عرفها تاريخ المملكة، ومنها الأبواب ذات الطابع التقليدي والسيوف التي استخدمها بعض الملوك والأمراء، وغير هذا الكثير.

باب إلى الماضي

انطلقت مسيرة تراثيات المملكة من اهتمام عز الدين بالمنازل السعودية التراثية. وبالحديث عن البدايات، يشير المصمم إلى أنه كان في العشرين من عمره حين صمم قطعته الأولى، أو بابه الأول، منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويروي أنه بدأ رحلته مع ثلاثة من أصدقاء الطفولة، ويضيف: "صنع مجموعتنا الأولى حرفي لم يدرك حينها أنه كان يتمتع بموهبة لافتة. فقد حوّل نافذة إلى باب، وأصبح هذا الباب مصدر إلهام للمجموعة التي تعبر عن شغف بالحفاظ على التراث السعودي. لذا، أمسى اليوم فناناً معروفاً".

وهكذا تعاون الأصدقاء مع عدد من الحرفيين وأقاموا معرضهم الأول. وهو ما يؤكده عليان بقوله: "أقمنا معرضنا الأول في مستشفى الملك فيصل في العام 1994، وقدمنا مجموعة من الصناديق والأبواب الصغيرة"

ويتابع أنه كان على الحرفيين أن يعملوا بجد لكي يضعوا أسماءهم على الخريطة، لافتاً إلى أن عدد المتاجر التي تبيع الهدايا التقليدية كان قليلاً، وأن هذا شجعه وأصدقاءه على عرض مصنوعاتهم اليدوية وإبداعاتهم الحرفية في المجمعات السكنية والمعارض التي يزورها فئات مختلفة من الزوار.

ويذكر المصمم أن الناس كانوا يبحثون مثلاً عن الأبواب ذات التصميم غير الكلاسيكي، وعن القطع الحرفية المصنوعة من نسيج السدو، وأن هذا دفعه والشركاء إلى التوجه إلى سوق يورومارشيه الفرنسي في الرياض: "في البدء كانت مساحة العرض صغيرة، إلا أننا تمكنا من جعل السياح والزبائن الآخرين يشعرون بالراحة، حيث كان بإمكانهم الحصول على قطعهم المميزة وإيصالاتهم بسهولة".

تجربة ثقافية

يمكن وصف متجر تراثيات المملكة بأنه كنز تاريخي وثقافي، إذ يحتوي على قطع "لا تقدر بثمن" على حد تعبير عز الدين، ومنها لوحة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومجسم الملك سلمان الحجري اللذين يخبئان عدداً من الآيات القرآنية. وفي وصفهما يقول: "ليس من السهل تحديد ثمن هذه القطع، فقد يصل أحياناً إلى أكثر من مليون ريال سعودي".

ويشدد المصمم على أن تراثيات المملكة ليس مجرد متجر للتحف، موضحاً أنه أشبه بالمتحف: "يطرح الناس أسئلة من قبيل: هل هذا مخصص للبيع؟ هل هذا متحف؟ فهم يشعرون بأن ما نريده هو أن نصحبهم في رحلة إلى الماضي، أن نقدم لهم قطعاً من تراثنا، أن ندفعهم إلى عيش تجربة مميزة. لذا، ندعوهم إلى التقاط الصور في الخيمة أمام خلفية من نسيج السدو، وإلى أخذ قسط من الراحة وتناول كوب من القهوة العربية اللذيذة".

وتعبيراً عن شغفه الكبير بعمله هذا، يقول: "إنه عشقنا. أحب رؤية الناس يأتون إلينا ويبدون إعجابهم بكل ما نعرضه. وكثيراً ما أرافقهم إلى تلك الزاوية حيث تُعرض العطور، أنواع الشامبو، وكريمات الشعر التي كنا نستخدمها في زمن طفولتنا. فهي تشكل جزءًا من هويتنا. في ذلك الوقت، لم يكن استخدام بلسم الشعر شائعاً. لذا كان يتم اللجوء في بعض الأحيان إلى السمن. وتستعيد زاوية أخرى أسلوب الحياة الذي كان سائداً في السعودية منذ نحو 40 عاماً. فهي تعرض قطعاً مثل أسطوانات التسجيل المصنوعة من الفينيل، وكوكيز رويال دانسك التي تثير زوبعة من الذكريات وعاصفة من الحنين".

كنوز خفية

تدعو موجودات هذا المتحف الحي زواره إلى الغوص في تفاصيل التاريخ السعودي. لذا يتطلب اختيارها عيوناً ثاقبة، ودقة ملاحظة، واهتماماً حقيقياً بالفنون. 

وفي هذا السياق، يقول عز الدين: "نجمع قطعاً ثمينة فريدة من نوعها. نشتري بعضها من المتاحف، وبعضها الآخر من عائلات يوصي أحد أفرادها ببيع مقتنياته الثمينة بعد موته. نمتلك مثلاً مجموعات من أواني القهوة، المباخر، الصناديق، الأبواب، أدوات المزرعة، البنادق التي حملها ملوك سابقون أو أفراد من عائلاتهم، السيوف، العملات المعدنية القديمة، وغير هذا الكثير". ويلفت إلى أنهم يقومون أيضاً بصنع بعض المقتنيات التقليدية، ويستعينون لهذه الغاية بخبرات بعض الحرفيين الذين يهتمون بكل التفاصيل.

ويوضح: "يقوم سكان الرياض بصناعة حرف يدوية ترتبط إلى حد كبير بالحياة في المدينة. كذلك تقدم كل قرية قطعها الخاصة، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، المسابح المصنوعة من نواة التمر. لذا، نتوجه إلى مختلف المناطق لنجمع ما يحظى بإعجابنا، فنذهب مثلاً إلى الطائف لجمع السيوف، وإلى إحدى القرى لنحصل على منسوجات السدو، وإلى حائل حيث تصنع أواني القهوة، وإلى أبها التي تشتهر بالحرف الديوية... في الواقع نسافر كثيراً لنختار الأفضل".

ولأنه يبدي ارتباطاً شديداً بالمناطق الريفية، لا يتردد عز الدين في الذهاب إليها من أجل استكشاف جوهر كل منها، ويحرص على الحصول على هدية تذكارية من كل بقعة يزورها. ولا شك في أن هذه التجربة الغنية تنعكس على عمله وتضيف فصلاً جديداً إلى القصة التي يرويها متجر تراثيات المملكة.   

الهوية السعودية

نجح متجر تراثيات المملكة في إبهار السياح والزوار المحليين من خلال ما يقدمه من قطع تؤرخ لتاريخ السعودية وتراثها. إلا أنه تمكن أيضاً من جذب اهتمام كبار الشخصيات أيضاً، مثل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الملك تشارلز، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وآخرين.  

إلا أن أكثر ما يفرح عز الدين هو تزايد الاهتمام بالثقافة والتراث داخل المجتمع السعودي: "بات الناس يبدون اهتماماً شديداً بالثقافة، وبات من السهل تلبية تطلعاتهم. وهذا ما يحظى بدعم لافت من سمو ولي العهد".

وهو يشير في هذا الإطار إلى السعي إلى تعزيز الهوية الثقافية السعودية من خلال إلزام السفارات والوزارات بتقديم هدايا سعودية الطابع لضيوفها، ويرى في هذا "هبة من السماء" بالنسبة إلى تراثيات المملكة، ويقول مفتخراً: "نصمم الهدايا للوزراء"، مع الإشارة إلى أن المتجر يقدم هدايا ذات طابع شخصي وثقافي للزوار من كبار الشخصيات، ويتابع: "تمكنا من تحقيق العديد من الإنجازات، مثل المشاركة في قمة مجموعة العشرين، وتلقي الدعوة لتقديم جواهرنا التراثية في معرض الدفاع العالمي". 

حارس التراث

يحرص القيمون على متجر تراثيات المملكة على المشاركة في الحفاظ على التراث المحلي وعلى إظهار جماله وتميزه. وإذ يعبر عز الدين عن إعجابه بالإنجازات التي تحققها السعودية والتي جعلتها محط أنظار العالم، يقول: "لا أقوم بعملي سعياً وراء الكسب المادي، بل بدافع من حبي للتراث والتصميم. والحلم لا ينتهي". ولإظهار  شغفه بالتراث، يكشف ما حدث في يوم زفافه، إذ ذهب مباشرة من مكان عمله إلى صالون الحلاقة.

وعن سعيه الدائم إلى تطوير رؤيته يقول: "أحلم دائماً وسأحلم أكثر". ويختتم اللقاء معلناً تمسكه بمشروعه الذي يشكل بالنسبة إليه رحلة يقوم بها عبر سجلات الثقافة السعودية، متسلحاً بقلوب أشخاص يؤمنون بأهمية التاريخ المحلي. ويخلص إلى أن لا مستحيل أمام الشغف، وأن تراثيات السعودية يحافظ على التراث من خلال الحرف التي يبيعها، القصص التي يرويها، التجارب التي يوفرها، كما من خلال تواصله مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم.

متجر تراث المملكة

العنوان: شارع التخصصي، الرياض

تصوير: أسامة جبرتي