حكايات عن الكنوز الجيولوجية السعودية القديمة

حكايات عن الكنوز الجيولوجية السعودية القديمة

سنقوم برحلة إلى مواقع عدة في المملكة العربية السعودية لنستكشف بعض العجائب الطبيعية، الجيولوجية، والفنية القديمة التي تشهد على تاريخ يعود إلى عشرات آلاف السنين
18 أبريل 24
Written on the Rocks: The History of Saudi Rock Art Uncovered Image source: Osama Jaberti
Share

تسير المملكة العربية السعودية من دون توقف على طريق استكشاف تاريخها القديم. إلا أن جهودها لا تقتصر على ذلك، إذ تحولت إلى بلد رائد في مجال الحفاظ على التكوينات الصخرية على المستوى العالمي أيضاً. فهي موطن للعديد من التشكيلات الإبداعية الطبيعية التي تنتشر  في مختلف نواحيها والتي تروي قصصاً مدهشة عن العصور الماضية. وحين نتحدث عن هذه العجائب، لا بد من أن نذكر نقوش حائل، وصخرة النصلة، جبل أم سنمان وغيرها، وهي معالم تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم وتترك في ذاكرتهم صوراً تتصل بجمالها الطبيعي وقيمتها الثقافية.

ويتميز بعض هذه التكوينات أيضاً بمعانيه التاريخية، إذ تظهر عليها العديد من النقوش التي ترتبط بالحضارات القديمة. ولمَ لا؟ فقد كانت شبه الجزيرة العربية مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، وهو ما تشير إليه بعض الدلالات التي تثبت الوجود البشري في ما يسمى العصر الحجري القديم. فإذا كنت من الزوار الذين يبحثون عن العجائب الطبيعية والتاريخية، ندعوك إلى تصفح هذا الدليل الذي يستعرض عدداً منها.

الفن الصخري، حائل

على بعد نحو 90 كيلومتراً شمال غرب حائل يمكنك مشاهدة كثير من الكتابات الصخرية والنقوش. فهذا الموقع المدرج على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو يضم مجموعة من الفنون الصخرية هي الأكثر غنى في المملكة العربية السعودية. وترتبط هذه النقوش بنحو 10 آلاف عام من التاريخ البشري، وتروي حكايات عن الحضارات القديمة، وتشكل إحدى المعالم الأكثر جذباً للزوار في المملكة.

ويكشف بعض تلك الفنون أن صيادي العصر الحجري الحديث في حائل كانوا نحافاً وطوال القامة، وأنهم كانوا ربما يضعون على رؤوسهم أغطية جعلتها تبدو أشبه بالمداخن في تراث الفن الصخري العربي.

ولا شك في أن التغييرات البيئية التي طرأت على المنطقة منذ منتصف العصر الهولوسيني جعلت الأعمال الفنية التي تزيّن كتلها الصخرية أكثر بروزاً وإثارة للفضول والاهتمام.

جبة، منطقة حائل

 تحتفظ جبة ببقايا بحيرة قديمة وهي إحدى المنطقتين الأكثر شهرة في محيط حائل، وتعرف بفنونها الصخرية العائدة إلى العصر الحجري (المنطقة الثانية هي الشويمس). لكن يبدو أن جبل أم سنمان أو جبل الجمل ذي السنمين هو الموقع الذي يحتضن أفضل مظاهر الفن الصخري التي يمكن مشاهدتها في المملكة العربية السعودية. وتسلط تحفه الضوء على حياة بعض الشعوب التي عاشت هناك، عاداتها، تسريحات الشعر التي كانت سائدة في أوساطها، والنشاطات التي كان يمارسها رجالها ونساؤها. كما أنها تظهر البدو الرحل وهم يصطادون بالرماح والأقواس مع الكلاب.

ويشار إلى أن الليدي آن بلانت، ابنة الشاعر الإنكليزي، اللورد بايرون، وزوجها كانا أول من شاهد هذه النقوش من الزوّار الغربيين. وحدث ذلك بعد توقفهما في جبة في العام 1879 أثناء توجههما إلى حائل من أجل شراء الخيول العربية.

وفي وصف الفنون الصخرية في جبة، كتب جوريس زارينز، عالم الآثار الذي عمل في المنطقة لمدة 20 عاماً، على صفحات مجلة عالم آرامكو السعودية: "إذا أردنا الحديث عن الفن الصخري وأهميته، نجد أن جبة هي الموقع الأول أو الثاني في الشرق الأوسط. وهي تنافس بذلك كل ما في شمال أفريقيا من مواقع. ويعود تاريخ آثارها الفنية إلى العصر الحجري الحديث الفخاري، أي إلى 7000 أو 9000 عام مضت. وهنا تظهر أيضاً آثار للنشاط البشري ترتبط بالعصر الحجري القديم الأوسط، وتشكل كنزاً ثميناً يساعد على معرفة الكثير عن منطقة الشرق الأوسط".  

الحجر، العلا

كانت العلا عبر التاريخ محطة تجارية مهمة على طريق البخور الذي كان يربط السعودية ببلاد ما بين النهرين، سورية ومصر (كان جزء من هذا الطريق يؤدي إلى بابل، فيما كان الجزء الآخر يؤدي إلى البتراء وسورية). وتعتبر منحدراتها العامودية المكوّنة من الحجر الرملي من أكثر المواقع غنى بالنقوش التي ترتبط بعالم الصيد وبالحياة البرية، إذ تظهر فيها أشكال الوعول والجمال والخيول وغيرها من الأنواع. وفي مكان غير بعيد عن العلا يمكن مشاهدة نقوش مذهلة لثلاثة أسود وثور، وعربة ذات قضبان متعددة يجرها حصانان ويقودها رجل واحد، فضلاً عن عدد من الجمال.

وعلى بعد 22 كيلومتراً فقط، تقع مدينة الحجر القديمة حيث قام الأنباط بنحت عدد من المقابر بمهارة مدهشة في كتل الصخر الرملي. وتشكل واجهات هذه المدافن، التي يبلغ عددها 111، شهادة على براعة بنائيها وتذكرنا بعاصمة الأنباط، أي البتراء الأردنية. وتُظهر الدراسات أن سكان هذه الناحية كانوا يقومون بتربية الأغنام، الإبل والماعز في الصحراء بين العامين الأول والـ74 الميلاديين. كما تشير إلى أنهم سيطروا على جزء كبير من تجارة التوابل في الموقع الذي أدرج على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي في العام 2008.

 

النصلة، تيماء

في جنوب محافظة تيماء في السعودية، ترتفع صخرة النصلة فوق قاعدتين حجريتين لتشكل أعجوبة جيولوجية لا مثيل لها في أي مكان آخر. وهي تتكون من كتلتين يفصل إحداهما عن الأخرى خط ضيق. وتتميز كل منهما بشكلها الفريد الذي نحتته الرياح والعوامل الجوية والعناصر الكيميائية، قبل أن تضيف إليه يد الإنسان عبر التاريخ نقوشاً تروي قصص الحضارات القديمة.

وتظهر في تيماء، التي تبعد أكثر من 220 كلم عن جنوب شرق مدينة تبوك، أيضاً، نقوش عربات تعود بتاريخها إلى الفترة الممتدة بين العامين 1500 و200 قبل الميلاد. وهي تشبه تلك التي رسمها المصريون، الآشوريون، الفرس واليونانيون. لكن يبدو أن الأشكال الظاهرة في بعض هذه النقوش متخيّلة وغير واقعية، وقد يعني هذا أن فناني الصحراء العربية في تلك الحقبة الزمنية لم يعرفوا الأحصنة التي ظلت نادرة الوجود في أوساطهم حتى العام 800 قبل الميلاد.   

ولا بد من الإشارة إلى أن تيماء كانت مقراً للملك البابلي نابونيدوس في القرن السادس قبل الميلاد. كما أنها كانت واحة سكنية ومركزاً تجارياً مهماً على طريق البخور.  

مصيقرة، منطقة الرياض

تقع نقوش مصيقرة الصخرية على بعد نحو 110 كلم عن الرياض. وهي تعود بتاريخها إلى العصر الحجري الحديث، أي إلى 3000 عام قبل الميلاد، وتتضمن رسوم صيادين، جمال، أحصنة، ونعام حفرها السكان القدماء على الصخور، إلى جانب نقوش لحيوانات تشبه الضباع وأخرى ذات قرون طويلة، ما شكل رواية لفصول من حياتهم اليومية.

وتعتبر صخرة مصيقرة من المعالم الفريدة والنادرة في منطقة الرياض التي تحتضن نقوش جاموس الماء. وقد يشير هذا إلى أن مناخ المنطقة كان رطباً وممطراً في هذا الجزء من المملكة العربية السعودية.

 

الطرق الجنائزية، شمال غرب السعودية

يبلغ طول الطرق أو الممرات الجنائزية التي تعود بتاريخها إلى 4500 عام نحو 170 كيلومتراً، وهي تقع وسط مقابر حجرية تصطف على شكل قلادة. ورغم أنه لم يتم حتى الآن فهم كل الطقوس القديمة التي كانت تتبع في هذا الموقع، يمكن القول إن هذه الطرق، حيث يظهر كثير من النقوش، شكلت قنوات للقاءات الاجتماعية التي كانت تتم أثناء القيام بالمراسم بعد وفاة شخص ما.

ويشار إلى أنه تم إعلان العثور على تلك الممرات في العام 2021، ودلت نتائج الاكتشاف على أن شبكة علاقات اجتماعية متطورة نشأت قبل نحو 4500 عام بين أشخاص اعتمد بعضهم على بعضهم الآخر وعاشوا في حالة انسجام مع الطبيعة.

وهذا ما يشرحه الباحث والمؤرخ، الدكتور عيد اليحي، بقوله إن شواهد القبور الموجهة نحو السماء، كانت رموزاً مهمة في مجتمعات حضارتي بلاد ما بين النهرين والنيل. ويضيف نقلاً عن باحثين من معهد ماكس بلانك الألماني، أن العقود الأخيرة من عصر السافانا في شبه الجزيرة العربية تعود إلى ما قبل 6500 عام. ويتابع أن تحول هذه المنطقة إلى صحراء دفع سكانها إلى الانتقال إلى أراض تجتازها الأنهار، لافتاً إلى أن هؤلاء حملوا معهم أدوات ثقافتهم، ومنها الكتابة المسمارية، إحدى أقدم طرق الكتابة في التاريخ البشري والتي يمكن ملاحظتها على معظم تلك الشواهد.